للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَطَائَفِةٌ: تَذْهَبُ إِلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ.

وَثَانِيةٌ: تَحْمِلُهَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّرْهِيبِ.

وَثَالِثَةٌ: تَجْعَلَهَا كُفْرَ أَهْلِ الرِّدَّةِ.

وَرَابِعَةٌ: تُذْهِبُهَا كُلَّهَا، وَتَرُدُّهَا.

فَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَنَا مَرْدُودَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، لِمَا يَدْخُلُهَا مِنَ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ، وَالَّذِي يَرُدُّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ مَا نَعْرِفُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلُغَاتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كُفْرَانَ النِّعَمِ إِلَّا بِالْجَحْدِ لِأَنْعَامِ اللَّهِ وَآلَائِهِ، وَهُوَ كَالْمُخْبِرِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُدْمِ، وَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ الثَّرْوَةَ، أَوْ بِالْسَقَمِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالسَّلَامَةِ. وَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنْ كِتْمَانِ الْمَحَاسِنِ وَنَشْرِ الْمَصَائِبِ فَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ كُفْرَانًا إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، أَوْ كَانَ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِذَا تَنَاكَرُوا اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ وَتَجَاحَدُوهُ. يُنَبِّئُكَ عَنْ ذَلِكَ مَقَالَةُ النَّبِيِّ لِلنِّسَاءِ: "إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ -يَعْنِي: الزَّوْجَ- وَذَلِكَ أَنْ تَغْضَبَ إِحْدَاكُنَّ، فَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" (٨٣).

فَهَذَا مَا فِي كُفْرِ النِّعْمَةِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: الْمَحْمُولُ عَلَى التَّغْلِيظِ، فَمِنْ (٨٤) أَفْظَعِ مَا تُأوِّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ أَنْ جَعَلُوا الْخَبَرَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ دِينِهِ وَعِيدًا، لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَهَذَا يَؤُولُ إِلَى إِبْطَالِ الْعِقَابِ، لِأَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، كَانَ مُمْكِنًا فِي الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: الَّذِي بَلَغَ كُفْرَ الرِّدَّةِ نَفْسِهَا فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ بِالتَّأْوِيلِ، فَكَفَّرُوا النَّاسَ بِصِغَارِ الذُّنُوبِ وَكِبَارِهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا وَصَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْمُرُوقِ، وَمَا أَذِنَ فِيهِمْ مِنْ سَفْكِ دِمَائِهِمْ (٨٥). ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ يُكَذِّبُ مَقَالَتَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ


(٨٣) أخرجه الشيخان عن ابن عباس .
(٨٤) الأصل "من".
(٨٥) يشير إلى حديث علي مرفوعًا: "سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث =

<<  <   >  >>