وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٢ - ٤].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي شَرَحَتْ وَأَبَانَتْ شَرَائِعَهُ الْمَفْرُوضَةَ عَلَى أَهْلِهِ وَنَفَتْ عَنْهُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا، ثُمَّ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا خِلَالُ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الَّذِي فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، فَلَمَّا خَالَطَتْ هَذِهِ الْمَعَاصِي هَذَا الْإِيمَانَ الْمَنْعُوتَ بِغَيْرِهَا، قِيلَ: لَيْسَ هَذَا مِنَ الشَّرَائِطِ الَّتِي أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ: وَلَا الْأَمَانَاتِ (٨٧) الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا أَنَّهُ الْإِيمَانُ فَنَفَتْ عَنْهُمْ حِينَئِذٍ حَقِيقَتَهُ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمُ اسْمُهُ.
فَإِنْ قَالَ [قَائِلٌ]: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَاسْمُ الْإِيمَانِ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْهُ؟ قِيلَ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ عِنْدَنَا غَيْرُ الْمُسْتَنْكَرِ فِي إِزَالَةِ الْعَمَلِ عَنْ عَامِلِهِ، إِذَا كَانَ عَمَلُهُ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلصَّانِعِ إِذَا كَانَ لَيْسَ بِمُحْكِمٍ لِعَمَلِهِ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا وَلَا عَمِلْتَ عَمَلًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ مَعْنَاهُمْ هَاهُنَا [عَلَى] نَفْيِ التَّجْوِيدِ، لَا عَلَى الصَّنْعَةِ نَفْسِهَا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَامِلٌ بِالِاسْمِ، وَغَيْرُ عَامِلٍ فِي الْإِتْقَانِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا بِهِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَذَلِكَ كَرَجُلٍ يَعُقُّ أَبَاهُ وَيَبْلُغُ مِنْهُ الْأَذَى، فَيُقَالُ: مَا هُوَ بِوَلَدٍ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ابْنُ صُلْبِهِ. ثُمَّ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْأَخِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ. وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُمْ فِي هَذَا: الْمُزَايَلَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْبِرِّ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ وَالرَّقُ وَالْأَنْسَابُ، فَعَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَمَاكِنُهَا وَأَسْمَاؤُهَا، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الذُّنُوبُ الَّتِي يُنْفَى بِهَا الْإِيمَانُ، إِنَّمَا أَحْبَطَتِ الْحَقَائِقُ مِنْهُ الشَّرَائِعَ الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِهِ، فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ فَعَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ لَهُمْ إِلَّا: مُؤْمِنُونَ، وَبِهِ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ وَجَدْنَا مَعَ هَذَا شَوَاهِدَ لِقَوْلِنَا مِنَ التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ.
فَأَمَّا التَّنْزِيلُ: فَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ قَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
(٨٧) كذا الأصل، ولعله "الأمارات".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute