للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَبِثُوا بِذَلِكَ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِمْ، فَلَمَّا أَنْ دَارُوا إِلَى الصَّلَاةِ مُسَارَعَةً، وَانْشَرَحَتْ لَهَا صُدُورُهُمْ، أَنْزَلَ اللَّهُ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي أَيْمَانِهِمْ إِلَى مَا قَبْلَهَا، فَقَالَ ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٨٣، ١١٠] (٥) وَقَالَ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] فَلَوْ أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ (٦) مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَأَعْطُوهُ ذَلِكَ بِالْأَلْسِنَةِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ غَيْرَ أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الزَّكَاةِ كَانَ ذَلِكَ مُزِيلًا لِمَا قَبْلَهُ، وَنَاقِضًا لِلْإِقْرَارِ وَالصَّلَاةِ، كَمَا كَانَ إِيتا (٧) الصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ نَاقِضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْمُصَدِّقُ لِهَذَا جِهَادُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى مَنْعِ الْعَرَبِ الزَّكَاةَ كَجِهَادِ رَسُولِ اللَّهِ أَهْلَ الشِّرْكِ سَوَاءً، لَا فَرْقَ بَيْنَهَا فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وَاغْتِنَامِ الْمَالِ، فَإِنَّمَا كَانُوا مَانِعِينَ لَهَا غَيْرَ جَاحِدِينَ بِهَا ثُمَّ كَذَلِكَ كَانَتْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ كُلُّهَا، كُلَّمَا نَزَلَتْ شَرِيعَةٌ صَارَتْ مُضَافَةً إِلَى مَا قَبْلَهَا لَاحِقَةً بِهِ وَيَشْمَلُهَا جَمِيعًا اسْمُ الْإِيمَانِ، فَيُقَالُ لِأَهْلِهِ: مُؤْمِنُونَ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي غَلَطَ فِيهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَوْلِ، لَمَّا سَمِعُوا تَسْمِيَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ، أَوْجَبُوا لَهُمُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ بِكَمَالِهِ كَمَا غَلَطُوا فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَكَذَا وَكَذَا" (٨) وَحِينَ سَأَلَهُ الَّذِي عَلَيْهِ رَقَبَةٌ


(٥) قلت: قد جاءت آيات مكية. ورد فيها ذكر الزكاة، تارة أمرًا بها، وأخرى مدحا لفاعليها، ومرة ذمًا لتاركيها، ففي سورة (المزمل /٢٠) ﴿وأقيموا الصلاة وآتُوا الزكاة﴾، وفي (النمل /٣) و (لقمان / ٤): ﴿الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون. وفي (فصلت/ ٦ - ٧): ﴿وويل للمشركين. الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون﴾.
فالظاهر أن المراد بهذه الزكاة الصدقات المفروضة من غير تعيين الأنصبة والمقادير، وإنما فرض تعيينها في المدينة. والله أعلم.
(٦) كذا الأصل.
(٧) كذا الأصل، ولعل الصواب "إباء".
(٨) يشير إلى حديث جبريل المخرج في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، وعند مسلم من حديث ابن عمر عن عمر، وانظر الحديث (١١٩) من "كتاب الإيمان" لابن أبي شيبة.

<<  <   >  >>