للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فتناول القط من تلك السرقة ما سد رمقه وشكر للجرذان تلك الصدقة ولما أكل فمه استحيت الحدقة ثم قال له أنشد ما أنت ناشد يا أبا راشد قال إن لي عليك من الحقوق مثل ما للجار الصدوق على الجار الشفوق وأردت أن يتأكد الجوار بالصداقة وتتراقى إلى درجة المحبة بأوثق علاقة وأن كانت بيننا عداوة قديمة فنترك من الجانبين تلك الخصلة الذميمة ونستأنف العهود على خلاف الخلق المعهود وتدبير الأمور على مصلحة الجمهور ونبني القاعدة في البين على ما يعود نفعه على الجانبين وأذكر بك أشياء تحملك على ترك خلقك القديم وتهديك في طريق الإخاء إلى الصراط المستقيم وهو أن أكلي مثلا ما يغذي منك بدناً فضلاً عن أن يظهر فيك صحة وسمناً ولكن أن أمنتني مكرك وأعملت نظرك وفكرك ثم رغبت في صحبتي وعاهدتني على سلوك طريق مودتي وأكدمت أي أبا غزوان ذلك بمغلظات الأيمان إلى أن أستوثق باستصحابك وأبيت آمنا في مجيئك وذهابك ولو كنت بين مخالبك وأنيابك فأني ألتزم لك في كل يوم إذا استيقظت من النوم بما يسد خلتك ويبقي مهجتك صباحاً ومساء وغداء وعشاء وإن قلت أن ذلك شيء مجهول فأنا أقدره بنظير هذا المأكول فان هذا الغذاء يكفيك عشاء وغداء وماقصدت بذلك إلا رعاية لحق الجوار ولقد آنستني تسبيحك بالليل والنهار وأظن وظني لا يخيب أنك تبت إلى الله ورجعت من قريب وكففت عن أذى الجيران وعففت عن أكل الفيران ثم أعلم يا أسد الضياون أن لي من هذه المؤنة عشر مخازن قد أعددتها لمثلك وأنا أقدمها لمنزلك وادخرها لأجلك والقصد أن أكون آمناً من سطواتك ساكناً في صدمات حركاتك وذلك إنما يعلم بتأكيد الإخاء وتأييد المحبة والولاء فلما رأى الهر هذا البر أعجبته هذه النعم وأطربه هذا النغم وأقسم

<<  <   >  >>