وقال القائل وتأبى الطباع على الناقل واستمر هذا الكلام بينهما عدة أيام إلى أن ركب السلطان وقصد السيران والوزير في ركابه من خدمه وأصحابه فرأيا من بعد شاباً من أولاد أحد الجند وهو جالس على فرع شجرة يابس يريد قطعه لما عدم نفعه وقد جعل ظهره إلى طرف الفرع وهو عمال بالمنشار في أصله للقطع فتأمل السلطان والوزير في هيئة ذلك الظبي الغرير ثم قال السلطان للوزير بين الأعيان وطبع هذا أيضاً داخل في الأمكان وهو يقبل التغيير والتعليم ويمكن استحالته بالتأديب والتفهيم فلم يجر الوزير جواباً لا خطأ ولا صواباً ثم أشار إلى بعض خوله أن يذهب بذلك الشاب إلى منزله فلما نزل من الركوب أحضر ضلك الشاب المرعوب الغافل المحبوب ثم طلب له مؤدباً حاذقاً مهذباً وأمره أن يجتهد في تعليمه ويبالغ في تأديبه وتقويمه ويوقفه من العلوم على دقائقها ويسلك به إلى خفايا طرقها وطرائقها فاشتغل بتربيته ليلاً ونهاراً وبذل مجهوده في سراً واجهاراً إلى أن برع في أنواع العلوم وضبطها من طربقى المنطوق والمفهوم ولما فرغ من العلوم أدناها وأنهارها من مبتدئها إلى منتهاها شرع به في علم إدريس وهو علم النجوم النفيس واستطرد منه إلى علم الرمل المنير ونوسل بهإلى أن توصل إلى إخراج الضمير فأتقن هذه العلوم لا سيما إخراج الضمير الموهوم فلما أتقن ذلك وسلك فيه أدق المسالك أحسن الوزير إليه واستصحبه إلى الملك ودخل به عليه فقبل الأرض وأدى من شرائط الخدمة النافلة والفرض وقال للسلطان محمود أن هذا هو ذاك الشاب المعهود وقد برع