للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغناء ينبت النفاق في القلب , وروى أن ابن عمر رضي الله عنه مر على قوم وهم محرمون وفيهم رجل يتغنى فقال: ألا لا سمع الله لكم , ألا لا سمع الله لكم , وروى أن إنساناً سأل القاسم بن محمد عن الغناء فقال: أنهاك عنه وأكرهه لك , قال: أحرام هو؟ قال: أنظر يا ابن أخي إذا ميز الله الحق والباطل في أيهما يجعل الغناء؟ وقال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا , وعن الضحاك: الغناء مفسدة للقلب ومسخطة للرب , وقال بعضهم: إياكم والغناء فإنه يزيد الشهوة ويهدم المروءة , وأنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر , وهذا الذي ذكره هذا القائل صحيح لأن الطبع الموزون يفيق بالغناء والأوزان , ويستحسن صاحب الطبع عند السماع ما لم يكن يستحسنه من الفرقعة بالأصابع والتصفيق والرقص وتصدر منه أفعال تدل على سخافة العقل , وروى عن الحسن أنه قال: ليس الدف من سنة المسلمين , والذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سمع الشعر , لا يدل على إباحة الغناء فإن الشعر كلام منظوم وغيره منثور فحسنه حسن وقبيحه قبيح , وإنما يصير غناء بالألحان وإن أنصف المنصف وتفكر في اجتماع أهل الزمان وقعود المغني بدفه والمشبب بشبابته وتصور في نفسه هل وقع مثل هذا الجلوس والهيئة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهل استحضروا أقوالا وقعدوا مجتمعين لاستماعه لا شك بأنه ينكر ذلك من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ ولو كان في ذلك فضيلة نطلب ما أهملوها , فمن يشير بأنه فضيلة تطلب ويجتمع لها لم يحظ بذوق معرفة أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين , واستروح إلى استحسان بعض المتأخرين ذلك. وكثيراً ما يغلط الناس في هذا , وكلما احتج عليهم بالسلف الماضين يحتجون بالمتأخرين. وكان السلف أقرب إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهديهم أشبه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكثيراً من الفقراء يتسمح عند قراء القرآن بأشياء من غير غلبة " (١).

أنشد ابن البنا السرقسطي:

وليس يحتاج إلى السماع ... إلاّ أخو الضعف القصير الباع

والزعقات فيه والتمزيق ... ضعف وهزّ الرأس والتصفيق (٢).


(١) عوارف المعارف للسهروردي ص ١٨٨ , ١٨٩ ط دار الكتاب العربي بيروت.
(٢) المباحث الأصلية للسرقسطي ص ١٩٥ , ١٩٦ ضمن الفتوحات الإلهية لابن عجيبة الحسني.

<<  <   >  >>