سرى سرّه في الأفاق، وسارت بمناقبه الركبان والرفاق.
قضى عمره في العبادة، وقصده للانتفاع أهل السعادة.
وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية، وفي الزهد في النهاية، جمع الله له الشرفين: الطيني والديني، وأحرز الفضل المحقق اليقيني" (١).
ويذكره الشاذلي بنفسه هو ومكانته السامية ودرجته الرفيعة، ومعرفته وعلمه بما يختلج في صدور الناس، وفيضه وفيضانه بقوله:
"كنت في سياحتي في مبدأ أمري حصل لي تردد: هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أو ارجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار؟ فوصف لي وليّ هنالك، وكان برأس جبل فصعدت إليه، فما وصلت إليه إلى ليلاً، فقلت في نفسي لا أدخل عليه في هذا الوقت، فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، قال فالتفت إلى نفسي وقلت: يا نفس انظري من أي بحر يغترق هذا الشيخ، فلما أصبحت دخلت إليه فأعربت من هيبته.
فقلت له:
يا سيدي كيف حالك؟
فقال: أشكوا إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار.
فقلت: يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟
فقال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله.
قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، فتبسم ثم قال: