للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم , وليس للعقل فيه رأي ولا للرأي فيه دخل , والأصل في العبادات المنع , كما أن الأصل في المعاملات الإباحة مع مراعاة (الحلال بيّن والحرام بيّن , وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس , فمن أتقى الشبهات أستبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام , كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وأن لكل ملك حمى , ألا وأن حمى الله محارمه) (١).

وإن المتصوفة كما لم يقتدوا بأسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملاتهم من الأكل والشرب واللبس والراحة والكسب والتجارة وغيرها من أمور الدنيا , ولو يتبعوا خطوات ذلك النبي الذي ذكره الرب جل مجده في قرآنه وفرقانه {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢).

كذلك لم ينهجوا منهجه , ولم يسلكوا مسلكه , وما اقتفوا أثره وأهتدوا بهديه , وما أتبعوا سنته في الطاعات والعبادات , فزادوا عليها أشياء من عند أنفسهم كما وكيفا , كما أضافوا إليها أشياء لم تكن معهودة منقولة عن النبي المختار وخلفائه الراشدين الأبرار وأصحابه الطيبين الأخيار , فضلّوا وأضلّوا , وحادوا عن الجادة المستقيمة والمحجة البيضاء التي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عليها , ليلها كنهارها , لا يضّل سالكها ولا يهتدي تاركها , فضلّت مساعيهم بدل أن تكون مشكورة , وخسرت جهودهم وردت بدل أن تكون مقبولة , وحبطت أعمالهم بدل أن تكون نافعة محمودة , لتقدمهم بين يدي الله ورسوله , واستصغارهم وتقلّلهم عمل رسول الله في عباداته ضيعتهم في معاملاته , واستحقارهم سنة من كان أخشى الناس وأتقاهم لله , فصاروا كالذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً , فخالفوا أوامر


(١) متفق عليه.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٧.

<<  <   >  >>