للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان بالحضرةِ فتىً حسنُ البزَّة، فاحتدَّ لقول شمردل، فقال: الأمرُ على ما ذكرت يا شمردل، ولكن ما تسأل الطيرُ إذا شبعت أيُّ القبيلين الغالب؟ وأما الطيرُ الآخر فلا أدري لأي معنًى عافت الطيرُ الجماجم دونَ عظام السُّوق والأذرُع والفقارات والعصاعص؟ ولكنَّ الذي خلّص هذا المعنى كلّه، وزاد فيه، وأحس التركيب، ودلَّ بلفظةٍ واحدةٍ على ما دلَّ عليه شعرُ النابغة وبيتُ المتنبي، من أن القتلى التي أكلتها الطيرُ أعداءُ الممدوح، فاتكُ بنُ الصَّقعب في قوله:

وتدري سباعُ الطيرِ أنَّ كُماتهُ، ... إذا لقيت صيدَ الكُماةِ، سباعُ

لهُنَّ لُعابٌ في الهواء وهزَّةٌ، ... إذا جدَّ بين الدَّرعين قراعُ

تطيرُ جياعاً فوقهُ وتردُّها ... ظُباهُ إلى الأوكار وهي شباعُ

تملك بالإحسانِ ربقةَ رِقها، ... فهُنَّ رقيقٌ يُشترى ويُباعُ

وألحمَ من أفراجها فهي طوعهُ، ... لدى كل حربٍ، والمُلوكُ تُطاعُ

تُماصعُ جرحاها فيُجهزُ نقرها ... عليهم، وللطّير العتاقِ مِصاعُ

فاهتزَّ المجلسُ لقوله، وعلموا صدقه. فقلتُ لزهير: من فاتك بن الصَّقعب؟ قال: يعني نفسه. قلت له: فهلاَّ عرَّفتني شأنه منذ حين؟ إني لأرى نزعاتٍ كريمة؟ وقمتُ فجلست إليه جِلسة المعظِّم له. فاستدار نحوي،

<<  <   >  >>