٦- سترة العورة:
العورة لغة: مأخوذة من العور، وهو النقص والقبح والعيب، وسميت كذلك لقبح منظرها ولغض الأبصار عنها.
وشرعاً: ما يجب ستره، وتطلق على ما يحرم النظر إليه.
وستر العورة في الصلاة شرط لصحتها بالإجماع، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) (ابن ماجة ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٣٢/٦٥٥، المراد من الحائض في الحديث البالغة) ولقوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا} الأعراف: ٢٨) قال مجاهد في تفسير هذه الآية" كان المشركون يطوفون بالبيت عراة" (تفسير ابن كثير ج ٢/ص ٢٠٨) وعن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده قال: "قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) قال: قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال: (إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال (الله أحق أن يستحيا منه من الناس) " (أبو داود ج ٤/كتاب الحمام باب ٣/٤٠١٧) وفيما يلي بيان حد العورة في الصلاة:
أما عورة الرجل فما بين السرة والركبة، وهما ليستا منها، لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل من السرة من العورة) (الدارقطني ج ١/ ص ٢٣١)
ولكن لا بد من ستر جزء منهما ليتحقق ستر الجزء المجاور لهما من العورة، لأن ما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب.
أما عورة المرأة في الصلاة فجميع بدنها عدا الوجه والكفين ظهراً وبطناً إلى الكوعين (الكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام) لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} (النور: ٣١) قال ابن عباس رضي الله عنهما: وجهها وكفيها والخاتم (تفسير ابن كثير ج ٣/ص ٢٨٣)
على أنه يجب ستر الوجه والكفين إذا خشيت الفتنة لدرء المفسدة، لكن ترفع الغطاء عن وجهها عند السجود لتلامس جبهتها الأرض.
ويجب أن يكون الستر من الأعلى والجوانب، فإذا كانت عورته ترى من طوقه أو كمه - أثناء ركوعه وسجوده - لسعته ضر ذلك، أما لو كانت عورته ترى من الأسفل فذلك لا يضر.
ويكون الستر بطاهر لا يصف لون البشرة، من ثوب صفيق أو جلد أو ورق (أما ظهور شكلها فلا يبطل الصلاة وإن كره، حتى لو ستر عورته بالطين جاز، فالسراويل الضيقة تحقق الستر إلا أنها مكروهة عند القدرة على استعمال العريضة، أما الحناء فإنها تمنع لون البشرة لكنها لا تحقق الستر، وكذلك مهلهل النسيج كالثياب والجوارب الشفافة. ويشترط في الساتر أن يشمل المستور، إما باللبس كالثوب والجلد ونحوهما، وإما بغيره كالتطيين
ويسن للمصلي أن يلبس أحسن ثيابه، لقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} (الأعراف: ٣١)
ويسن للرجل أن يصلي في ثوبين قميص ورداء، أو قميص وإزار (الإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن) أو قميص وسراويل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان لأحدكما ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود) (أبو داود ج ١/ كتاب الصلاة باب ٨٢/٦٣٥، واشتمال اليهود المنهي عنه هو أن يجلل بدنه بالثوب ويسبله من غير أن يُشيل - أي يرفع - طرفه) كما يسن له أن يصلي معتماً
ويسن للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: خمار تغطي به الرأس والعنق، ودرع يغطى به البدن والرجلين، وملحفة صفيقة تستر الثياب، تكشفها وتجافيها راكعة وساجدة لئلا تصفها الثياب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "تصلي المرأة في ثلاثة أثواب، درع وخمار وإزار" (البيهقي ج ٢/ ص ٢٣٥)
ولا تصح صلاة من انكشفت عورته، سواء اتسع المنكشف أم ضاف وكان أدنى جزء، وسواء في هذا الرجل والمرأة، وسواء المصلي في حضرة الناس والمصلي في الخلوة، وسواء صلاة النفل والفرض والجنازة والطواف وسجودا التلاوة والشكر.
ولو صلى في سترة ثم بعد الفراغ علم أنه كان فيها خرق تبين منه العورة وجبت إعادة الصلاة على المذهب، سواء كان علمه ثم نسيه، أم لم يكن يعلمه، فإن احتمل حدوث الخرق بعد الفراغ من الصلاة فلا إعادة عليه, وكذلك لو كشفت الريح الثوب عن شيء من عورة المصلي، رجلاً كان أو امرأة، فإن رده في الحال لم تبطل صلاته، وإن تأخر بطلت مهما ضاق المكشوف.
ولو وجد ما يستر به بعض العورة فقط لزمه التستر به، ولو اجتمع رجل وامرأة وهناك سترة تكفي لأحدهما قدمت المرأة
فإن عجز المكلف عن ساتر يستر به عورته وكان في الظلمة فيصلي عارياً، ولا يومئ بالركوع والسجود بل يتمهما، ولا إعادة، والعاجز عن الستر هو الذي لم يجد ما يستر به عورته أصلاً، أو وجده متنجساً ولم يستطع الحصول على ماء يطهره به، أو حبس في مكان نجس وليس معه إلا ثوب يفرشه على النجاسة ففي هذه الحالات يصلي عارياً ولا إعادة عليه، ولا يلزمه قبول هبة ثوب للمنة، لكن يجب عليه سؤال الإعارة ممن ظهر منه الرضا به لضعف المنة فإن لم يقبل العارية لم تصح صلاته لقدرته على الستر، ويحرم عليه أخذ ثوب غيره منه قهراً، فإن فعل أثم وصلاته صحيحة.