٧- استقبال القبلة:
ودليله قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} (البقرة: ١٤٤، ١٤٩، والمراد هنا بالمسجد الحرام الكعبة نفسها، وبالشطر الجهة) ويقصد باستقبال القبلة استقبال عين الكعبة لمن كان قريباً منها، فمن كان يصلي في المسجد الحرام أو في البيوت القريبة من المسجد فهذا لا بد له من يقين الاستقبال.
أما من كان بعيداً غير قادر على المشاهدة ولو كان بمكة ففرضه أن يصيب باستقباله جهة الكعبة بالاجتهاد. وأما إن كان داخل الكعبة فلا بد له من أن يرى شاخصاً منها بقدر ثلثي ذراع فأكثر تقريباً، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه عندما دخل الكعبة صلى إلى الجهة المقابلة للباب أي إلى الجدار الواقع ما بين الركنين الشامي واليماني، وعن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالاً، فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، بين العمودين اليمانيين" (البخاري ج ٢/كتاب الحج باب ٥٠/ ١٥٢١)
وعلى البعيد عنها أن يتجه إليها عن علم، حتى الأعمى، إذا دخل المسجد فعليه أن يتعرف جهة القبلة بملامسته للمحراب، وإلا اعتمد خبر ثقة عن علم.
وإذا جهل المصلي جهة القبلة اجتهد بالدلائل مثل نجم القطب (نجم صغير يكاد ألا يرى، ثابت لا يتحرك في مجموعة بنات نعش الصغرى وهي سبعة أنجم تدور حول القطب) ويستدل بهذا النجم على القبلة في كل جهة بحسبها ففي الشام يجعله المصلي وراءه، وفي مصل يجعله خلف أذنه اليسرى، وفي العراق خلف أذنه اليمنى، وفي اليمن أمامه مما يلي جانبه الأيسر. ومن الدلائل أيضاً الشمس والقمر. فإن لم تتوفر في الشخص القدرة على الاجتهاد كأن كان أعمى البصر والبصيرة قلد مجتهداً وإن تحير وصلى بغير اجتهاد لحرمة الوقت لزمته الإعادة
ويجتهد لمعرفة القبلة في كل فرض.
وإذا تيقن المصلي خطأ اتجاهه وهو في الصلاة، أو بعدها، استأنفها (الاستئناف: الابتداء) أما إذا تغير اجتهاده بعد الصلاة فإنه يعمل باجتهاده الجديد في المستقبل ولا يقضي الفرض الذي صلاه على اجتهاده الأول، وإذا تغير اجتهاده وهو في الصلاة استدار وبنى على ما صلى.
ويجوز ترك استقبال القبلة في حالتين:
آ - في صلاة شدة الخوف، على تفصيل فيها سيأتي في موضعه، سواء كانت الصلاة فرضاً أم نفلاً، ولا إعادة عليه.
ب- في النافلة، في السفر المباح، على راحلة سائرة (ويدخل في حكم الراحلة السيارة والسفينة والطائرة وأي مركوب من المركوبات الحديثة إذا كانت ضيقة بحيث لم يستطع الإنسان استقبلا القبلة، وأما إن كانت واسعة واستطاع الاستقبال فلا يجوز تركه) والمراد بقولنا النافلة: الراتبة والمؤقتة، فيخرج به المنذورة فهي كالفريضة لا بد فيها من استقبال القبلة، وكذلك صلاة الجنازة، فهي فرض ولو على الكفاية، وصلى الصبي فهي فريضة ولو صورة، والمعادة من الفرائض، فلا بد في هذه الصلوات كلها من استقبلا القبلة (إذا أدركت المسافر الصلاة المفروضة في الطائرة أو الباخرة ولم يكن بالإمكان جمعها مع صلاة أخرى، كصلاة الفجر مصلاً، ولم يتمكن من استقبلا القبلة، ترك الاستقبال، وكذا أي ركن عجز عنه، ولا إعادة عليه أما في السيارة فلا بد من النزول والاستقبال)
ويخرج بقولنا السفر المباح ما لو كان عاصياً بسفره، كالمسافر للسرقة، أو لقطع الطريق أو كان هائماً (الذي خرج لا يدري إلى أين هو ذاهب) فلا يجوز له ترك الاستقبال.
كما يخرج بقولنا راحلة سائرة أن تكون الراحلة واقفة، فلا يجوز في هذه الحال ترك الاستقبال.
ودليل جواز الترك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة" (البخاري ج ١/ كتاب تقصير الصلاة باب ٩/١٠٤٨)
ولا يشترط لراكب الدابة أن يضع جبهته على سرجها في السجود وإنما يكفي أن يومئ بركوعه وسجوده، ويكو سجوده أخفض من ركوعه (أما إذا كان المركوب واسعاً بحيث يمكنه إتمام الركوع والسجود فيتمهما) أما المسافر ماشياً فيستقبل القبلة في أربعة مواطن ويمشي في أربعة: يستقبلها في الإحرام والركوع، والسجود والجلسة بين السجدتين، ولا يكفي الإيماء بالركوع والسجود، وإنما يجب أن يتمهما، ويمشي في القيام والاعتدال والتشهد والسلام، وقبلته في أثناء ذلك هي مقصده.