١- صلاة العيدين:
تعريف: العيد مشتق من العَوْد، وهو الرجوع والمعاودة. وسمي بذلك لتكرره في كل عام.
حكمها: هي سنة مؤكدة لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها ويكره تركها.
ويسن حضور جماعتها للمقيم والمسافر، والحر والعبد، والخنثى والمرأة، سوى الجميلة أو ذات الهيئة، أما العجائز والنساء اللائي لا يشتهين فيحضرن بشروط ثلاثة هي: إذن الزوج، وترك الطيب، وعدم لبس ثياب الزينة والشهرة لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات) (أبو داود ج ١/ كتاب صلاة باب ٥٣/٥٦٥، وتفلات: غير عطرات)
وقتها: ما بين طلوع الشمس وزوالها؛ ويكفي طلوع جزء من الشمس؛ لكن يندب تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح، فهي بذلك مستثناة من أفضلية فعل العبادة في أول وقتها. وفعلها قبل ارتفاع الشمس خلاف الأولى.
كيفيتها: شرعت جماعة. وتصح فرادي، والجماعة مطلوبة فيها للحاج فينس له صلاتها منفرداً لاشتغاله بأعمال الحج. ويكره تعدد جماعتها بلا حاجة.
ولا يسن لها أذان ولا إقامة، لحديث جابر رضي الله عنه" صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة" (مسلم ج ٢/ كتاب صلاة العيدين/٧) بل ينادي لها: الصلاة جامعة، قياساً على صلاة الكسوف.
وهي ركعتان لقول عمر رضي الله عنه: "صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان" (النسائي ج ٣/ ص ١٨٣)
وصفتها المجزئة كصفة سائر الصلوات، وسننها كغيرها من الصلوات، وينوي بها صلاة العيد، وهذا أقلها.
وأكملها أن يحرم بالركعتين مع النية- ولا بد فيها من التعيين- أم يأتي بدعاء الافتتاح، ثم يكبر قبل التعوذ (ولا يفوت التكبير بالتعوذ لكن بالبدء بالقراءة) سبع تكبيرات سوى تكبيرتي الإحرام والركوع، ويجهر بالتكبير ولو كان مأموماً أو قاضياً لها، ويرفع يديه حذو منكبيه في الجميع، ويضع يمناه على يسراه تحت صدره بعد كل تكبيرة، ويسن جعل كل تكبيرة في نَفَس، ويفصل بين كل تكبيرتين بمقدار آية معتدلة، بأن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (وهي الباقيات الصالحات، وعل صيغتها اتفق أكثر أصحاب الشافعي) ويقولها سراً، ويكره تركها، ثم يتعوذ بعد التكبيرات، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة ق أو الأعلى أو الكافرون جهراً، وفي الثانية يكبر خمساً عدا تكبيرتي القيام والهوي إلى الركوع ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة القمر إن قرأ في الأولى سورة ق (لحديث رواه أبو واقد الليثي، مسلم ج ٢/كتاب صلاة العيدين باب ٣/١٤) ، أو الغاشية إن قرأ في الأولى الأعلى (لحديث رواه النعمان بن بشير، مسلم ج ٢/ كتاب الجمعة باب ١٦/٦٢) أو الإخلاص إن قرأ في الأولى الكافرون. لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما) (أبو داود ج ١/ كتاب الصلاة باب ٢٥١/١١٥١)
ولو شك المصلي في عدد التكبيرات بنى على الأقل، أما المأموم فيتبع إمامه زاد أو نقص ولا يكبر المسبوق إلا ما أدرك.
على أن التكبيرات كلها ليست فرضاً ولا بعضاً، ولو نسيها وشرع في القراءة فاتت، حتى لو ذكرها وهو راكع فعاد إلى القيام ليكبرها عالماً بالتحريم، بطلت صلاته.
ثم يخطب الإمام بعدهما خطبتين لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة" (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ٨/٩٢٠) ولما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظم ويوصيهم" (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ٦/٩١٣)
ولا بد أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدم، فإن خطب قبل الصلاة بطلت الخطبة.
وهما كخطبتي الجمعة في الأركان لا في الشروط (انظر بحث صلاة الجمعة، الباب السابع من كتاب الصلاة) ويفتتح الأولى منها بتسع تكبيرات يسن جعلها متوالية، ويكبر قبل الثانية سبعاً ويندب للخطيب أن يجلس قبل الخطبة للاستراحة، جلسة قصيرة قدر أذان، ويستحب أن يعلمهم أحكام الفطرة في عيد الفطر وأحكام الأضحية في عيد الأضحى.
ومن دخل والإمام يخطب، فإن كان في الصحراء جلس ليستمع ما لم يخش فوات وقت العيد، وإلا صلى ركعتي العيد. وإن كانوا في المسجد صلاهما مع التحية.
ويستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطاً لصحة صلاة العيد، وإن كان تركها، أو التكلم فيها، أو الانصراف منها مكروهاً.
ولا خطبة لجماعة النساء، إلا أن يخطب لهن ذكر، أما لو قامت واحة منهن ووعظتهن فلا بأس.
ولا تجزئ صلاة العيد عن صلا الضحى، بل تسن صلاة الضحى سواء قبل صلاة العيد أو بعدها، لكن الأفضل أن تصلي قبل صلاة العيد تجنباً لخلاف العلماء.
سنن ليلتي العيدين ويوميهما:
(١) إحياء ليلتي العيدين بالعبادة، لما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلتي العيدين محتسباً لله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) (ابن ماجة ج ١/ كتاب الصيام باب ٦٨/١٧٨٢، وهو ضعيف لكن يعمل به في فضائل الأعمال)
(٢) الغسل، ويمتد وقته من منتصف ليلة العيد إلى آخر نهار يوم العيد، وأفضل وقت لفعله بعد طلوع الفجر. لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى" (ابن ماجة ج ١/ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب ١٦٩/١٣١٥) وإسناده ضعيف لكن يعضده ما روي عن نافع " أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى" (الموطأ ج ١/ كتاب العيدين باب ١/٢) كما يعضده القياس على الجمعة.
(٣) التنظيف والتطيب والتزين، ولبس أحسن الثياب منها بخاصة، يستوي في ذلك القاعد على والخارج، والكبير والصغير، والمصلي وغيره.
(٤) الإفطار قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر لتمييز عيد الفطر عما قبله، ويسن أن يكون الفطور تمرات، وأن يكون عددها وتراً. روي عن أنس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً" (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ٤/٩١٠)
ويسن الإمساك عن الفطور قبل صلاة عيد الأضحى إلى أن يرجع، ليأكل من أضحيته إذا ضحى، وهو الغالب، لذلك سن تأخير الفطور مطلقاً في الأضحى.
(٥) البكور بالخروج إلى صلاة العيد لغير الإمام. أما الإمام فيحضر مع دخول الوقت لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة (البخاري ج ١ / كتاب العيدين باب ٦/٩١٣)
(٦) الذهاب إلى الصلاة مشياً من طريق، والعودة منها من آخر، لحديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون) (البخاري ج ١/ كتاب الجمعة باب ١٦/٨٦٦) وهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة ولحديث جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ٢٤/٩٤٣) (٧) إقامة الصلاة في المسجد لأنه أشرف وأنظف، إلا إذا ضاق فتكره فيه، وتصلى في الصحراء عندئذ.
(٨) تعجيل صلاة عيد النحر، وتأخير صلاة عيد الفطر لحديث أبي الحويرث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران (عجل الأضحى وأخر الفطر) (البيهقي ج ٣/ ص ٢٨٢) ولأنه يسن أن يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، على حين أن السنة أن يضحي بعد صلاة الإمام، على أنه يسن بصورة عامة تأخير الصلاة إلى ما بعد ارتفاع الشمس.
التكبير في العيدين:
- هو سنة، ودليل مشروعيته في عيد الفطر قوله تعالى: {ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله على ما هداكم} (البقرة: ١٨٥) ودليل مشروعيته في عيد الأضحى قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} (البقرة: ٢٠٣) قال البخاري: قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ١١)
والتكبير نوعان: مرسل ومقيد.
(١) التكيير المرسل: هو التكبير غير المقيد بالصلاة. ووقته من غروب شمس ليلتي العيدين إلى دخول الإمام المسجد لصلاة العيد، فإن لم يصلّ مع الجماعة استمر تكبيره إلى إحرامه بصلاة العيد، فإن لم يصل استمر التكبير في حقه حتى الزوال.
ويندب هذا التكبير للذكر والأنثى، والحاضر والمسافر، والحر والعبد، إلا الحاج فإنه يلبي إلى أن يتحلل، لأن التلبية شعاره ما دام محرماً، ثم يكبر بعد تحلله، لما أخرجه البخاري في باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة، قال: "وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه (الفُسطاط: بيت من شعر) ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد" (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ١٢)
ويتأكد التكبير عند تغير الأحوال، كالاجتماع والذهاب والإياب والركوب.
يصح التكبير في كل الأحوال والأمكنة؛ في المنازل والأسواق والشوارع كما دل عليه حديث البخاري المتقدم.
ويندب رفع الصوت بالتكبير، إلا المرأة فتخفض صوتها في حال وجود أجانب بحيث تسمع نفسها فقط.
والتكبير أفضل ما يشتغل به العبد في هذه الأوقات، حتى إنه أولى من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن قراءة سورة الكهف إذا وافقت ليلة العيد ليلة الجمعة.
(٢) التكبير المقيد: هو التكبير خلف الصلوات في عيد الأضحى فقط، فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً أداء أو قضاء، ولا يشترط أن يكون التكبير عقب الصلاة مباشرة، ولا يفوت بطول الفصل عن الصلاة.
وهذا التكبير المقيد أفضل من التكبير المرسل لأنه تابع للصلاة.
وقته: ويبدأ وقته من صبح يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهذا لغير الحاج. أما الحاج فيكبر من ظهر يوم النحر، بعد أن يتحلل، إلى صبح آخر أيام التشريق.
والتكبير الواقع بين غروب شمس ليلة عيد الأضحى إلى صلاة العيد هو تكبير مرسل مقيد معاً.
صيغة التكبير: الله أكبر الله أكر الله أكبر، ثلاثاً نَسَقاً (نسقاً: على نظام واحد) وما زاد من ذكر الله فحسن، من ذلك لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" قال الشافعي في الأم: "أحب أن تكون زيادته: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله" واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على الصفا، وقد رواه مسلم في صحيحه من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخصر [بأخصر؟؟] من هذا اللفظ (مسلم ج ٢/ كتاب الحج باب ١٩/١٤٧)
ويندب التكبير في غير العيدين في الأيام المعلومات (الأيام المعلومات: أيام العشر - عشر ذي الحجة - ذكره البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ج ١/ كتاب العيدين باب ١١) ذكر البخاري عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما (البخاري ج ١/ كتاب العيدين باب ١١)