٢- صلاة الكسوف وصلاة الخسوف:
المعنى اللغوي لكل منهما: الكسوف هو الاستتار أو التغير إلى سواد، وتوصف به الشمس حين يستتر نورها وتسود بحيلولة جرم القمر بينها والأرض؛ ولذلك يحصل الكسوف غالباً عند تمام الشهور.
والخسوف: هو المحو أو النقصان أو الذل، ويوصف به القمر حين يظلم، وهذا الوصف أليق بالقمر لأنه جرم عاتم يضيء بمقابلته للشمس، فإذا حال جرم الأرض بين القمر والشمس منع وصول نور الشمس إلى القمر فيظلم، ولذلك يحصل الخسوف غالباً في أنصاف الشهور.
حكم الصلاتين ودليلهما: هما سنة مؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث روته عنه عائشة رضي الله عنها: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد (بعد أن قال الناس إن الشمس كَسَفت لموت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا ... ) (البخاري ج ١/ كتاب الكسوف باب ٢/٩٩٧) ولقوله تعالى: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (فصلت: ٣٧) وتصح فرادى لكن يسن أن تصلى جماعة، وأن ينادى لها: الصلاة جامعة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة" (البخاري ج ١/ كتاب الكسوف باب ٣/٩٩٨) ويجوز لمن صلاها وحده ثم أدركها مع الإمام أن يصليها معه ثانية كما يفعل في المكتوبة.
ويسن الاغتسال لها لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فسن لها الاغتسال كصلاة الجمعة
كيفيتها: صلاتا الخسوف والكسوف سواء في الكيفية.
وأقل إحداهما ركعتان عاديتان كسنة الظهر، لما ورد في حديث قَبيصة الهلالي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فصلوا كأحدث صلاة مكتوبة صليتموها) (النسائي ج ٣/ ص ١٤٤)
ويجهر بهما في الخسوف ويسر في الكسوف لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما " ... فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة" (البخاري ج ١/ كتاب الكسوف باب ٩/١٠٠٤) وهو يدل على أنه لم يجهر، لأنه لو جهر لسمعه، ولما قدره بغيره" عن سَمُرة رضي الله عنه قال: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتاً" (الترمذي ج ٢/ أبواب الصلاة باب ٣٩٧/٥٦٢) ووردت أحاديث في الجهر منها حديث عائشة رضي الله عنها: "جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته" (البخاري ج ١/ كتاب الكسوف باب ١٩/١٠١٦) فيجمع بين الأدلة بأن الإسرار في كسوف الشمس لأنها صلاة نهار، والجهر في خسوف القمر لأنها صلاة ليل.
وأقل الكمال: ركعتان، في كل ركوعان وقيامان وسجدتان، ويطيل القراءة والركوع والسجود. ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا) ثم قال: (يا أمة محمد والله ما من أحد أغْيَرَ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) " (البخاري ج ١/ كتاب الكسوف باب ٢/٩٩٧)
أما صورتها المثلى فتفصيلها كالتالي:
(١) النية مع التعيين.
(٢) دعاء الافتتاح
(٣) التعوذ وقراءة الفاتحة.
(٤) التعوذ وقراءة الفاتحة.
(٤) قراءة سورة طويلة كالبقرة مثلاً في القيام الأول لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم.
(٥) يركع ويسبح في ركوعه طويلاً قدر مائة آية من سورة البقرة.
(٦) يعتدل ويقرأ، بعد الفاتحة، طويلاً، نحو آل عمران، كما ورد في سنن أبي داود (انظر أبو داود ج ١/ كتاب الصلاة باب ٢٦٣/١١٨٧)
(٧) يركع ثانية ويسبح، وأعلى الكمال أن يسبح بمقدار ثمانين آية من البقرة.
(٨) يعتدل، ثم يسجد سجدتين، ويجعل تسبيح كل سجدة طويلاً بقدر كل من الركوعين المذكورين.
(٩) في الركعة الثانية يقرأ بعد الفاتحة نحو النساء، ثم يركع فيسبح بقدر سبعين آية من سورة البقرة، ثم يعتدل ويقرأ بعد المائدة، ثم يركع ويسبح بقدر خمسين آية من سورة البقرة. ويسبح في السجودين مثل ذلك (وذكر النووي في المنهاج قريباً مما ذكرنا، فقال: الأكمل أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة البقرة، وفي الثاني كمائتي آية منها، وفي الثالث مائة وخمسين، والرابع مائة، تقريباً ويسبح في الركوع الأول قدر مائة من البقر، وفي الثاني ثمانين، وفي الثالث سبعين، والرابع خمسين، تقريباً، وذكر غير ذلك رحمه الله)
ويسن أن يخطب الإمام بعد صلاة الخسوف أو الكسوف لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم. ويستحب أن يخطب خطبتين هما كخطبتي الجمعة في الأركان (انظر بحث صلاة الجمعة، الباب السابع، من كتاب الصلاة) لكن لا يشترط فيهما من شروط خطبتي الجمعة إلا أن يسمع الناس، وكونهما بالعربية، وكون الخطيب ذكراً.
وفي الخطبتين يحث الناس على التوبة، وفعل الخير من صوم وصلاة وصدقة وعتق، لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم. ولا ما روي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعَتاقة (العَتاقة والإعتاق بمعنى واحد) في كسوف الشمس" (البخاري ج ١/ كتاب الكسوف باب ١١/١٠٠٦)
فواتها: تفوت صلاة الكسوف بأحد أمرين:
(١) بانجلاء قرض الشمس جميعه يقيناً لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي) (مسلم ج ٢/ كتاب الكسوف باب ٣/١٠) فلو انجلى بعضه وبقي لم تفت، وكذا لو شك بالانجلاء (كما في حال وجود سحاب كثيف) فتصلى. ولو حصل الانجلاء أثناء الصلاة أتمها.
(٢) بغروب الشمس كاسفة، فليس له أن يشرع في الصلاة إذا حان الغروب، أما إذا كان في الصلاة وغربت الشمس وهي كاسفة فيتمها.
وتفوت صلاة خسوف القمر بانجلائه جميعه يقيناً، أو بطلوع الشمس، أما طلوع الفجر أو غروب القمر مخسوفاً فلا يُفوِّتُها.
وتسن صلاة ركعتين عند الفزع من الزلازل والصواعق ونحو ذلك من الآيات، لكن لا تسن بها الجماعة لأن هذه الآيات كانت أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه أنه صلى منها جماعة غير الكسوف.