١- طلبه للعلم: اتجه أحمد رضي الله عنه إلى طلب العلم الذي وجهته أسرته إليه واستقام ذلك التوجيه مع نزوعه الخاص. وبذلك تلاقت ميوله مع الوجهة التي وجه إليها، وكانت بغداد فيها علوم الدين، واللغة، والرياضة، والفلسفة، والتصوف إذ كانت حاضرة العالم الإسلامي. فاختار الإِمام أحمد في صدر حياته رجال الحديث ومسلكهم فاتجه إليهم أول اتجاهه، ويظهر أنه قبل أن يتجه إلى المحدثين راد طريق الفقهاء الذين جمعوا بين الرأي والحديث، فيروى أن أول تلقيه كان على القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة فقد قال:"أول من كتبت عنه الحديث أبو يوسف". ولكنه مال من بعد إلى المحدثين الذين انصرفوا بجملتهم ⦗١٣⦘ للحديث، وبقي يتلقى الحديث بغداد من سنة ١٧٩ هـ إلى سنة ١٨٦ هـ ولزم عالماً كبيراً من علماء الحديث وآلاثار ببغداد أربع سنوات، وهو شيم بن بشير بن أبي حازم الوسطي (المتوفي سنة ١٨٣ هـ) . وكانت سنه عند الملازمة حوالي الست عشرة سنة، وكتب الإِمام أحمد عنه كتاب الحج وبعضاً من التفسير وكتاب القضاء وكتباً صغاراً.
ولقد استمع أيضاً ملازمته لهشيم إلى عبد الرحمن بن مهدي وأبي بكر بن عباس. وبعد موت هشيم أخذ أحمد رضي الله عنه يتلقى الحديث حيثما وجده وحيثما كان؛ ومكث ببغداد نحو ثلاث سنوات يأخذ من شيوخها بجد وأدب ونشاط، فقد ذكر عن نفسه " "كنت ربما أردت البكور في الحديث؛ فتأخذ أمي بثيابي، حتى يؤذن الناس أو حتى يصبحوا".