للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقف المأموم في الصلاة:

إذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام، فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه، فإن جاء آخر كبَّر وتأخر وصفا خلفه، ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقاً، فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيديه، وإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله جاز، لما روي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: (استأذن علقمة والأسود على عبد الله وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية فاستأذنت لهما، فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل) (١) . فإن كانت معهم امرأة قامت خلفهم، لما روى أنس رضي الله عنه قال: (فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز منورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف) (٢) ، وروى أبو مالك الأشعري رضي الله عنه: ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاة، وصفَّ الرجال، وصفَّ خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم، فذكر صلاته، ثمَّ قال: هكذا صلاةُ قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال صلاة ⦗٢٦٤⦘ أمتي) (٣) . فإن لم يكن مع الرجل إلا امرأة وقفت خلفه، فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لحديث ابن عباس المتقدم (فقمت عن يساره فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه) . وإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما، لحديث عبد الرحمن بن الأسود المتقدم، ويجعل الرجل عن يمينه، ويجوز أن يجعلهما عن يمينه، فإم كانا في نافلة وقفا خلفه، لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم (وصففت أنا واليتيم وراءه) .

أما من وقف معه كافر أو إمرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ، لأنهم من غير أهل الوقوف معه، وإن وقف فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفاً، لأنهم من أهل الوقوف معه، أما الصبي إذا وقف معه في النفل كان صفاً لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم. وإن وقفت المرأة في صف الرجال فلا تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها من الرجال ولا صلاة من خلفها منهم كما لو وقفت من غير صلاة، ولكن يكره وقوفها في صفهم.

- وإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر واجب على الآخر أن يدخل في الصف، أو يقف عن يمين الاما، أو ينبه من يخرج فيقف معه، فإن لم يمكنه ينوي مفارقة الإمام ويتم منفرداً، لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث.

- وإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها، فإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام، فإن لم يمكنه نبه رجل يتأخر معه فإن لم يفعل لم يُكره ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى.

أما إمامة النساء فتقف وسطهن، لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فعن ريطة الحنفية قالت: (أمتنا عائشة فقامت بيننا في الصلاة المكتوبة) (٤) ، وعن حجيرة قالت: (أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا) (٥) . فإن كان معها إمرأة واحدة وقفت عن يمينها، وإن وقفت خلفها جاز، ⦗٢٦٥⦘ لأن المرأة يجوز لها أن تقف وحدها بدليل حديث أنس رضي الله عنه: (والعجوز من ورائنا) .

والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وسِّطوا الإمام، وسُدُّوا الخلل) (٦) ، وأن يتم المأمومون الصف الأول، لما روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتمُّوا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) (٧) . وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها. وشرها أولها) (٨) وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: ويلي الإمام الشُيوخ وأهلِ القرآن، ويؤخر الغلمان والصبيان، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى عن الذين يلونهم - ثلاثاً.) (٩) .

ومن السنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين، لحديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّ الرجل القوم قلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) (١٠) ، ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه في الصلاة. ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام. كما يصح أن يأتم بالإمام من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف.


(١) أبو داود: ج-١/ كتاب الصلاة باب ١٠٠/٦٨٢.
(٢) مسلم: ج-١/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ٤٨/٢٦٦.
(٣) أبو داود: ج-١/ كتاب الصلاة باب ٩٧/٦٧٧.
(٤) و (٥) الدارقطني: ج-١ /ص ١٥٥.
(٦) أبو داود: ج-١/ كتاب الصلاة باب ٩٩/٦٨١.
(٧) أبو داود: ج-١/ كتاب الصلاة باب ٩٤/٦٧١.
(٨) مسلم: ج-١/ كتاب الصلاة باب ٢٨/١٣٢.
(٩) مسلم: ج-١/ الصلاة باب ٢٨/١٢٣.
(١٠) أبو داود: ج-١/ كتاب الصلاة باب ٦٧/٥٩٨.

<<  <   >  >>