للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يجزئ عن طواف الوداع:

من ترك طواف الزيارة فطافه عند الخروج من مكة أجزأه عن طواف الوداع، لأنه يحصل به المقصود منه، كإجزاء طواف العمرة عن طواف القدوم وصلاة الفرض عن تحية المسجد.

أما إن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة، لقوله عليه السلام: (إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى) ، ويكون حكمه حكم من ترك طواف الزيارة. ⦗٤٥٨⦘

ثامناً: اجتناب محظورات الإِحرام

محظورات الإحرام هي: ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإِحرام.

أولاً: ما يتعلق باللباس:

آ- ما يحرم على الرجال:

-١- لبس المحيط أو المخيط ببدنه، أو بأي عضو منه، مثل القفازين، سواء كان محيطاً كقميص وقباء (١) أو منسوجاً كدرع أو كيس معقوداً كالطربوش، يحرم ذلك كله إذا لبسه لبساً معتاداً، كأن يضع عباءة على منكبيه دون أن يدخل يديه في كميها، لأنها تستمسك ولو لم يدخل يديه فيها، بدليل ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القُمُصَ، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسّه الزعفران أو الورس) (٢) . أما إذا لم يكن الللبس على الهيئة المعتادة، كأن ألقى على نفسه عباءة أو ثوباً وهو مضطجع، وكان ذلك بحيث لو قعد لم تستمسك عليه، فلا حرمة فيه، ولا فدية عليه.

وخرج بذلك الإِزار والرداء، فلا يحرم لبسهما وإن كان بهما خياطة، لأن مدار الحرمة على الإِحاطة لا على الخياطة، فإذا لم يجد إزاراً فله لبس السراويل، ولا فدية عليه، لما روى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل) (٣) . ومن عدم الرداء لم يبح له القميص، لأنه يمكنه أن يرتدي به على صفته، ولا يجوز له عقد ردائه، وهو الذي يوضع على الأكتاف، ولا أن يزره عليه أو يخله بشوكة أو بغيرها، ولا يغرس طرفيه في إزاره لأنه في معنى عقده، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لا تعتقد ⦗٤٥٩⦘ عليك شيئاً) (٤) . أما الإِزار فله عقده لأنه ضروري لستر العورة، وله أن يشد وسطه بعمامة أو حبل ولا يعقده ولكن يدخل بعضه في بعض، وله أن يضع على خصره الحزام الذي وضع فيه نفقته فإن لم يثبت عقده، لقول عائشة رضي الله عنها: "أوثق عليك نفقتك". أما المنطقة وما لا نفقة فيه فلا يجوز عقده لعدم الحاجة إليه.

-٢- لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران (٥) ، أما المصبوغ بالعصفر فيباح لبسه سواء كان الصبغ قوياً أو ضعيفاً للحديث المتقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما.

-٣- لبس الخفين للحديث المتقدم، فإن لم يجد نعلين لبس الخفين وقطعهما أسفل من الكعبين (٦) ، وعن الإِمام أحمد: لا يقطع الخفين. ومن وجد نعلين لا يمكنه لبسهما لبس الخفين وافتدى لأن إسقاط الفدية مشروط بعدم النعلين.

-٤- تعمد تغطية الرأس أو بعضه بما يسمى ساتراً، سواء كان مخيطاً أو غيره كالقلنسوة أو الخرقة أو الشال، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس العمامة، ولقوله في الذي مات محرماً: (لا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً) (٧) .

فمتى غطى رأسه بلاصق معتاد كعمامة، أو سترة بغير لاصق، بأن استظل بمحمل (مظلة) أو ثوب، راكباً أو لا، حرم وفدى، لأنه قصده بما يقصد به الترفه، لأنه ستره بما يستدام ويلازمه غالباً أشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه. بخلاف استظلاله بخيمة أو شجرة أو بيت فله ذلك. وفي الاستظلال بالمحمل رواية ثانية أنه يجوز، لما روت أم الحصين رضي الله عنها قالت: (حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. والآخر ⦗٤٦٠⦘ رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) (٨) . والأول هو المعتمد. وإن وضع يده على رأسه أو حمل عليه طبقاً فلا بأس إن لم يقصد به الستر.

ويعد من الرأس البياض الذي وراء الأذن، ولا فرق بين شعر الرأس وبشرته. وخرج بذلك الوجه فلا تحرم تغطيته.

وإن ستر رأسه لعذر من حر أو برد أو مداواة جاز، لكن تلزمه الفدية، لقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (٩) ، وقياساً على الحلق بسبب الأذى.


(١) عباءة.
(٢) البخاري: ج-٢/ كتاب الحج باب ٢٠/١٤٦٨.
(٣) مسلم: ج-٢/ كتاب الحج باب ١/٥.
(٤) البيهقي: ج-٤/ ص ٥١.
(٥) المصبوغ بما له رائحة طيبة.
(٦) هما معقد الشراك بعد أصابع القدم بأصبع تقريباً.
(٧) مسلم: ج-٢/ كتاب الحج باب ١٤/٩٣.
(٨) مسلم: ج-٢/ كتاب الحج باب ٥١/٣١٢.
(٩) الحج: ٧٨.

<<  <   >  >>