للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلحق بحرمة استعمال الطيب ما يلي:

آ- لبس المبخّر بالطيب والمصبوغ به.

ب- أكل الطيب أو شربه، أو المخلوط به، سواء كان قليلاً أو كثيراً إلا إذا استهلك الطيب بحيث لم يبق له طعم ولا رائحة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يضاف إليه الطيب مطبوخاً أو مطبوخ.

جـ- الاكتحال بالطيب، أما الاكتحال بما ليس فيه طيب فجائز.

د- الادهان بالطيب كدهن الورد والبنفسج والزنبق ونحوها، أما الادهان بما ليس فيه طيب كالزيت والسمن فلا يحرم ولو دهن شعر رأسه ووجه.

هـ- شم الورد والياسمين والبنفسج، أي شم كل ما يتخذ منه الطيب، أما نبات البرية كالشيح والإذخر والخزامى والفواكه كالأترج والتفاح والسفرجل والحناء فليس بطيب، لأنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر، وقد ثبت أن العصفر ليس بطيب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم عن أبي داود: (ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب مُعصفراً أو خزاً ... ) . فإن مس المحرم طيباً لا يعلق بيده كقطع الكافور والعنبر فلا فدية فيه، لأنه لم يتطيب، أما إن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا. وكذا إن تعمد شم الطيب، مثل أن يدخل الكعبة وهي تجمرّ، أو حمل مسكاً ليشم رائحته فعليه فدية، لأنه شمه قاصداً له فأشبه ما لو باشره، أما إن لم يقصد شمه كالجالس عند العطار لحاجة أخرى، أو دخل الكعبة ليتبرك بها، أو حمل الطيب من غير مس للتجارة فلا يمنع منه، لأنه لا يمكن التحرز منه فعفي عنه.

ثالثاً: ما يتعلق بالأفعال:

-١ً- عقد النكاح: يحرم عقد النكاح إيجاباً لنفسه، أو قبولاً لغيره، بدليل الحديث الذي روي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكِحُ ⦗٤٦٢⦘ المحرم ولا يَنْكِحُ ولا يخْطُب) (١) . ولا فدية فيه لأنه لا ينعقد أصلاً، فوجوده كعدمه، وسواء كان بوكالة أو ولاية فلا يصح ولو كان الزواج حلالاً. وتجوز له الخطبة ولكن تكره للحديث، ويؤخذ الحديث على أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح ولا يُنكَح) للتحريم، (ولا يخطب) للكراهة. ولا مانع من هذا التفسير قياساً على ما ورد في الآية الكريمة: (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) (٢) فالأكل مباح والإيتاء واجب.

ويجوز أن يراجع المحرم المحرمة والمحلّة، سواء طلقها قبل الإحرام أو أثناءه، لأن المراجعة استدامة نكاح، فتصبح بلا كراهية.

-٢ً- الجماع: يحرم الجماع، لقوله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (٣) وتجب فيه الكفارة. ويحرم على الحلال من الزوجين تمكين المحرم من الوطء، لأنه إعانة له على المعصية.

فإن كان الجماع قبل التحلل الأول فسد نسكهما ولو بعد الوقوف بعرفة، ولا فرق بين العامد والساهي، ويجب على الواطئ والموطوءة المضي في النسك الفاسد ولا يخرجان منه بالوطء فحكمه كالإِحرام الصحيح لقوله تعالى: {وأتموا الحج العمرة لله} (٤) ، ويقضيانه وجوباً العام الثاني، أما إذا كان الوطء بعد التحلل الأول فلا يفسد النسك وعليه شاة، ولا فدية على مكرهة ونفقة حجة قضائها عليه لأنه المفسد لنسكها.

-٣ً- تحرم المباشرة بشهوة وإن ينزل، كالمعانقة والقبلة واللمس والنظر، وتجب فيها الفدية، أما لو فعل ذلك مع وجود حائل ففعله حرام، فإن أنزل بما سبق ⦗٤٦٤⦘ فعليه بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة ولا يفسد حجه. وأما المباشرة بلا شهوة فلا تحرم.

-٤ً- يحرم الاستمناء سواء كان بحائل أم لا، لأنه حرام في غير الإِحرام ففي الإِحرام أولى.

-٥ً- يحرم الكلام الفاضح في المسائل الجنسية.

-٦ً- الفسوق والجدل، لقوله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (٥) ، فينبغي أن ينزه الحاج إحرامه عن الكذب والشتم والكلام القبيح والمراء، فالحاج أحوج ما يكون إلى حسن الخلق والتذرع بالصبر، فإنه يتعرض لكثير من المتاعب في السفر، فليشهد الحاج أنه في حضرة مولاه، وليلاحظ ذلك دائماً، وليلتزم الأدب. روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه) (٦) .

وقلة الكلام في ما لا ينفع مستحبة في كل حال، صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب وفيما لا يحل، فإن من كثر كلامه كثر سقطه. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (٧) ، وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (٨) . فهذا في حال الإِحرام أشد طلباً وآكد، لأنه حال عبادة واستشعار لطاعة الله. فليشتغل المحرم بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وتعليم الجاهل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ⦗٤٦٥⦘


(١) مسلم: ج-٢/ كتاب النكاح باب ١٥/٤١.
(٢) الأنعام: ١٤١.
(٣) البقرة: ١٩٧، وفسر الرفث بأنه محركة الجماع وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته من التقبيل والمغازلة ونحوهما مما يكون في حال الجماع. وهو أيضاً الفحش، وكلام النساء في الجماع، أو ما ووجهن به من فحش.
(٤) البقرة: ١٩٦.
(٥) البقرة: ١٩٧، والفسوق: هو الخوج عن الطاعة. والجدال: هو أن يجادل رفيقه حتى يغضبه، والمنازعة والسباب.
(٦) مسلم: ج-٢/ كتاب الحج باب ٧٩/٤٣٨.
(٧) مسلم: ج-١/ كتاب الإِيمان باب ١٩/٧٤.
(٨) ابن ماجة: ج-٢/ كتاب الفتن باب ١٢/٣٩٧٦.

<<  <   >  >>