الفاء السَّببيَّة: تَخْتَلِفُ الفَاءُ السَبَبيَّة عن العَاطفةِ بأنَّ العاطفةَ يدخُلُ ما بَعْدها فيما دَخَل فيه الأوَّل، تقول: "أنتَ تأْتِيني فَتُكرِمُني" و "أنَا أزُورُك فأُحْسِنُ إليك".
أمَّا الفاءُ السَّبَبيَةُ فيخالفُ فيها ما بَعْدَها مَا قبْلَها، وذلِكَ قولُك: "ما تَأْتِيني فَتُكْرِمَني". و "ما أَزُورُك فَتُحدَّثَني" المراد: ما أزُورُك فكَيْف تُحَدِّثُني؟ وما أزُورُك إلاَّ لم تُحدِّثْني - كان النَّصبُ، وكانَتِ الفَاءُ للسَّبَبية والفِعْلُ بعدَها مَنْصوبٌ بأن مُضْمرةٍ وجُوباً، وإذا أراد: ما أزُورَك وَمَا تُحدِّثُني كانَ الرفْعُ لا غَيْرُ، لأَنَّ الثاني مَعطوفٌ على الأَوَّل، أمَّا فاءُ "كن فيكونُ" فَيَصِحُّ فيه الرَّفْعُ والنَّصبُ، فالرَّفعُ عَلى العَطْف والتَّعقِيْب والنَّصْبُ على أنَّ الفاءَ للسَّبَبِييّة، فيكونَ لَفْظُ "فَيكُونَ" سَبَباً عن كُنْ وهُمَا قِراءَتان سُبْعيَّتان، والنَّصبُ بعدَ فاء السَّبَبيَّة لا يكونُ إلا بأن يَتَقَدَّمَها نَفْيٌ أو طَلَبٌ مَحْضَيْن (وإنما قَيْدَ الطلَب والنَّفيَ بالمَحْضَين لأخراج النفي التالي تَقْريراً، والمَتلو بنفي، والمنتقض بـ "إلا" نحو "ألم تأتني فأحسن إليك" إذا لم ترد استفهاماً حقيقياً، والثاني: "ماتزال تأتينا فتحدثنا"، والثالث نحو "ما تأتينا إلا وتحدثنا" وبالطلب المحض، يخرج الطلب باسم الفعل نحو "نزال فنكرمك" وبما لفظه لفظ الخبر نحو "حسبك حديث فينام الناس" فالمضارع بكل هذا مرفوع لعدم محضيَّة النفي والطلب) وذلك بأَحَدِ الأُمُورِ التِّسْعَةِ وهي: "الأمْرُ والدُّعاءُ والنَّهْيُ والاسْتفْهامُ والعَرْضُ والتَّخْضِيضُ والتَّمَني والتَّرَجِّي والنَّفْي" فالأمْر نحو قول أبي النَّجْم:
يا نَاقُ سِيرِي عَنَقاً فَسِيحاً ... إلى سُلَيمَانَ فَنَسْتريحا
والدُّعَاءُ نحو قَوْلِ الشّاعر:
رَبِّ وَفِّقْني فَلا أعْدِلَ عَنْ ... سَنَنِ السَّاعِينَ في خَيْرِ سَنَن
والنَّهي نحو قوله تعالى: {وَلا تَطْغَوا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبي} (الآية "٨١" من سورة طه "٢٠") .
والاستِفْهامُ نحو قولِه تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} (الآية "٥٢" من سورة الأعراف "٧") .
والعَرضُ نحو قَوْلِ الشَّاعِرِ:
يا ابنَ الكرامِ ألا تَدْنُو فَتُبْصِرَ ما ... قَدْ حَدَّثُوكَ فَمَا راءٍ كمَنْ سمَعَا
والتَّخْضِيضُ نحو قوله تعالى: {لَوْلاَ أخَّرْتَني إلى أجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ} (الآية "١٠" من سورة المنافقون "٦٣") .
والتمني نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَني كُنْتُ مَعَهم فَأَفُوزَ فَوْزَاً عظيماً} (الآية "٧٢" من سورة النساء "٤") .
والتَّرَجِّي نحو قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أو يَذَّكَّرُ فتَنْفَعَهُ الذِّكرَى} (الآية "٣ و ٤" من سورة عبس "٨٠") .
والنَّفي نحو قوله تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتوا} (الآية "٣٦" من سورة فاطر "٣٥") . {لا تَفْتَرُوا على اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكم بِعَذاب} (الآية "٦١" من سورة طه "٢٠") .