للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(تابع ... ١) : الإضَافَة: ... ...

-١٣ الفصل بين المضاف والمضاف إليه:

عند أكثَرِ النحويين لا يُفْصَل بين المُتَضَايِفَيْن إلاّ في الشعر، وعند الكوفيين مسائل الفصل سبعٌ: ثلاث جائزة في السعة وهي:

(١) أن يكونَ المضافُ مصدراً، والمضافُ إليه فاعلُه، والفاصل: إمَّا مفعوله، وإمَّا ظَرْفه فالأول كقراءة ابن عامر: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ من المُشْرِكينَ قَتْلَ أوْلاَدَهُمْ شُرَكائِهِم} (الآية "١٣٧" من سورة الأنعام "٦". وقراءة الأكثرين: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ من المُشْرِكينَ قَتْلَ أوْلاَدِهِمُ شُركاؤهم} وشركاؤهم فاعل زَيَّن) .

التقدير على هذه القراءة: قتلَ شُرَكَائِهم أوْلاَدَهُم، فَصَلَ بَيْن المُضَافِ والمُضَافِ إليه: بأولادهم ومثلُه قولُ الشَّاعر:

عَتَوْا إذْ أحَبْنَاهُم إلى السِّلْمِ رَأفَةً ... فَسُقْنَاهُمُ سَوْقَ البُغَاثَ الأَجادلَ

(البغاثَ: من الطيور الضعيفة ومن المثل: "إن البغاث بأرضنا يَسْتَنْسِر" والأجادل: جمع أجْدَل: وهو الصقر) .

التقدير: سَوْقَ الإجادِلِ البُغاثَ.

والثاني: كقول بعضهم: "تَرْكُ يوماً نَفسِكَ وهَواهَا، سَعْيٌ لَها فِي رَدَاها".

(٢) أن يكون المضافُ وصفاً والمضافُ إليه إما مفعولَه الأولَ والفاصلُ مفعولُه الثاني، كقراءة بعضهم {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّه مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ} (الآية "٤٧" من سورة إبراهيم "١٤". والقراءة المشهورة {فَلا تَحْسَبنَّ اللَّهَ مُخلِفَ وَعدِهِ رُسُلَهُ} ) .

وقول الشاعر:

ما زَالَ يُوقِنُ مَنْ يَؤُمُّكَ بالغِنى ... وسِوَاكَ مانعُ فَضْلَه المُحتاجِ

أو ظَرفَه كقوله عليه السلام "هَلْ أَنْتُمْ تارِكُو لي صَاحبي" وقول الشاعر:

فَرِشْني بخيرٍ لا أكونَنْ ومِدْحَتي ... كنَاحِتِ يَوْماً صَخْرةٍ بعَسِيلِ

(قوله: فَرِشْني: أمر ن رِشْتُ السهم إذا أَلزقْتَ عليه الريش، والمعنى: أصْلِح حالي بخيرٍ، والعَسِيل: مِكْنَسةُ العَطَّار التي يجمعُ بها العِطْر، وهذا كناية عن أنَّ سَعْيه مما لا فائدةَ فيه مع التَّعب والكد) .

(٣) أن يَكُونُ الفَاصِلُ قَسَماً (كما حكاه الكسائي) نحو: "هذا غُلامُ واللَّهِ زيدٍ" وحَكَى أبو عبيدة: "'نَّ الشاةَ لَتَجْترُّ صوتَ - واللَّهِ - ربِّها" (أي صاحبها" زاد في الكَافية الفصل بـ "أما" كقول تأبط شراً:

هما خُطَّتا إمّا إسَارٌٍ وَمِنَّةٌٍ ... وإمَّا دَمٌٍ والقَتْلُ بالحُرِّ أجْدَرُ

(هذا على رواية كسر إسار على أنه مضاف إليه وحذف النون على هذا للإضافة والرواية الأخرى بالضم وعليه فحذف النون استطالة للاسم وإسَارٌ بدَل من خطتا) .

والمسائل الأربعةُ الباقِية تختص بالشعر:

(إحداها) الفصلُ بالأجْنَبي، ونعني بِه مَعْمُولَ غيرِ المُضَاف، فاعلاً كان كقول الأعشى:

أنْجَبَ أيَّامَ والِداه به ... إذ نجلاهُ فنِعم مَا نجَلا

فاعل أنجب: والداه وأيام: متعلق بأنجب وهو مضاف و "أذْ" مضاف إليه، فقد فصل بـ "والداه" بين المضاف والمضاف إليه) .

أي أَنْجب والِداه به أيَّامَ إذ نجلاه، أو مفعولاً كقول جرير:

تَسْقِي امْتِياحاً نَدَى المِسْواكَ رِيقَتِها ... كما تَضَمَّن ماءَ المزنة الرَصَفُ

(الامتياح هنا: الاسْتِيَاك وأصله: أخذ الماء من البئر وهو حال والنَّدى: البَلَلَ، والمُزنَة: السَّحاب، والرَّصْف: جَمع رَصْفَة وهي حجَارَةٌ مَرْصُوف بعضُها إلى بَعض، وماءُ الرَّصف أصْفى وأرَق) .

أي تَسقِي نَدَى رِيقَتِها المِسوَاكَ، أو ظَرفاً كقول أبي حَيَّةَ النميري:

كما خُطَّ الكتابُ بكفِّ يوماً ... يَهُوديٍّ يُقارِبُ أو يُزيل

(الشاهد فيه: بكف يوماً يهودي، وظاهر أن الأصل: بكف يهودي يوماً) .

(الثانية) الفَصْل بفاعل المُضافِ كقوله:

ما إن وَجَدْنا للهَوَى من طِبَّ ... ولا عَدِمنا قَهْرَ وجدٌ صَبِّ

(أضاف "قَهْرَ" إلى مفعوله وهو "صبّ" وفصلَ بينهما بفاعلِ المصدر وهو وَجَدَ، والأصل ما وجدنا للْهَوى طِبَّا، ولا عدمنا قَهرَ صَبٍّ وَجَدَ والصب: العاشق) .

(الثالثة) الفصل بنعت المضاف كقول الشاعر:

نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَه ... مِنْ ابنِ أبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ

(الأباطح: جمع أبطح: وهو مسيل الماء، والمراد به مكة. والمرادي: هو عبد الرحمن بن مُلْجَم قاتلُ عليّ رضي الله عنه) .

أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح.

(الرابعة) الفَصل بالنداء كقوله:

كأنَّ بِرْذَوْنَ أبا عصام ... زيدٍ حمارٌ دُقَّ باللّجام

أي كأنَّ برذَونَ زَيدٍ حمارٌ يا أبا عِصام ففَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالنِّداء.

كل هذا رأيٌ للكُوفيين، واستشهادهم ضعيف وعندَ البَصْريين لا يُفْصَل بين المضاف والمضاف إليه إلا في الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>