للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(تابع ... ١) : النِّداء: ... ...

-٨ المُنادى المضاف لياءِ المتكلم:

هو أربعةُ أقسام:

(١) ما فيه لغةٌ واحدةٌ.

(٢) ما فيه لُغَتَان.

(٣) ما فيه ستُّ لغات.

(٤) ما فيه عَشْرُ لغات.

وهاكَ التفصيل:

(١) ما فِيهِ لُغَةٌ وَاحِدَةٌ من المُنَادَى المُضَاف لِياءِ المُتَكلِّم: وهو المُعْتَلُّ، فإنَّ ياءَه وفَتْحَها واجِبَا الثُّبُوتُ نحو: "يَا فَتَايَ" و "يا قاضِيَّ".

(٢) ما فيه لُغَتَان:

وهو الوَصْفُ المُشْبِهُ للفِعل، فإنَّ ياءه ثَابِتَةٌلا غَير، وهي إمَّا مَفْتوحةٌ أو سَاكِنةٌ نحو "يا مُكرِمِيَّ" و "يا حَاسِدِيَّ".

(٣) ما فِيه سِتُّ لغاتٍ:

هو ما عَدَا ما مَرَّ، وليسَ "أبَاً ولا أُمَّاً" نحو "يا غُلاَمي" وهذه هي اللُّغاتُ السِّت:

حَذْفُ الياءِ والاكتِفاءُ بالكسرة، وهو الأجود، والأكْثَر وروداً في القرآن الكريم نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الآية "١٦" من سورة الزمر "٣٩") . وثبوتها سَاكِنَة نحو: {يَا عِبَادِي لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} (الآية "٦٨" من سورة الزخرف "٤٣") .

وثُبوتِهَا مَفْتُوحةً نحو: {قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} (الآية "٥٣" من سورة الزمر "٣٩") . ثُمَّ قلبُ الكسرَةِ فتحةً والياءِ ألِفاً نحو: {يَا حَسْرَتَا} (الآية "٥٦" من سورة الزمر "٣٩") . ثُمَّ حَذْفُ الأَلفِ، والاجْتِزَاءِ بالفَتحة كقوله:

وَلَسْتُ بِرَاجعٍ مَا فَاتَ مِني ... بِلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لَو أنِّي

أصلُه بقَوْلي: "يا لهفَ".

أو ضَمِّ الآخِرِ بنيةِ الإضَافَةِ كما تُضَم المُفْرَدات: وإنَّما يَكثُرُ ذلك فيما يَغلِبُ فيه ألاَّ يُنَادَى إلاَّ مُضافاً كـ "الأبِ والابن والأمِّ والرَّبِّ"، حكى يونُسُ "يا أُمُّ لا تَفْعَلي" (يا أم: منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء المحذوفة منع من ظهورها الحركة المجلوبة لمشاكله المفرد المبني على الضم) وقرأ بعضُهم {رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إليَّ} (الآية "٣٣" من سورة يوسف "١٢") بالرفع.

(٤) ما فيه عَشْر لُغَاتٍ:

وهو "الأبُ والأمُّ" ففيهما مع اللُّغَاتِ السِّب المُتَقَدِّمَةِ، أربعُ أُخَر، وهي: أنْ، تُعَوَّضَ "تاءُ التّأنيث" من ياءِ المتكلِّم وتُكْسَر - وهو الأكْثَر - أو تُفْتَحُ أو تُضم وهو شاذٌّ، وقَدْ قرئ بهنَّ في نحو: {يَا أَبَتُ إني رَأَيْتُ أَحَدَعَشَرَ كَوْكَباً} (الآية "٤" من سورة يوسف "١٢") .

العَاشرة: الجَمْعُ بينَ التّاءِ والألفِ المُبدلة مِنَ الياءِ على قِلة، فقيل "يا أبتا" و "يا أُمَّتَا" وهو جَمْعٌ بينَ العِوَضِ والمُعوَّضِ، وسبيلُ ذلك في الشعر.

-٩ تَعويض "تاء التأنيث" عن "ياءِ المتكلم":

لا تُعوَّض "تاء التأنيث" عن ياءِ المتكلم إلاّ في النّداء، وهذه التَّاءُ عِوَضٌ عن الياء والدَّليلُ على أنَّ "التاءَ" فِيهما عِوَضٌ مِنَ "الياءِ" أنَّهما لا يَكادانِ يَجْتَمِعان.

والدَّليل على أَنَّها "للتأنيث" أنَّه يَجُوزُ إبدَالُها في الوقفِ هاءً.

-١٠ المُنَادَى المُضَافُ إلى مُضافٍ إلى يَاءِ المتكلم نحو "يا ابنَ أَخِي" فالياءُ ثابتَةٌ لا غَير، إلاَّ إذا كانَ "ابنَ أمَِّ" أو "ابنَ عَمَِّ" فالأكثر الاجتزاءُ بالكَسْرةِ عن اليَاءِ أو أن يُفْتَحَا للتَّركِيبِ المَزْجي، وقد قرئ" {قَالَ ابنَ امَِّ} بالوَجْهين، ولا يَكَادُون يُثْبِتُون "اليَاءَ ولا الأَلِف" إلاَّ في الضَّرورةِ كَقَولِ أَبي زُبيد الطَّائي في مَرْثِية أَخِيه:

يا ابنَ أُمِّي ويا شُفَيِّقَ نَفْسي ... أَنْتَ خَلَّفْتَنِي لِدَهرٍ شَديدِ

وقَولِ أبي النَّجم العِجْلي:

يا ابْنَةَ عَمَّا لا تَلُومِي واهْجَعِي ... لا يَخْرِقُ اللَّومُ حِجَابَ مِسْمَعِي

-١١ أَسْمَاءُ لاَزَمَتِ النِّداء:

منها "يافُلُ أقْبِلْ" و "يا فُلَةُ اقْبِلي بمعنى: رَجلٍ، وامْرَأةٍ، لا بمعنى "مُحمد وسُعْدَى" ونحوهما، لأنَّ كِنَايَةَ الأَعْلامِ هو "فُلانٌ وفُلاَنَةٌ". ولَيْسَ هذا مُرخَّماُ بلْ وضَعَه العَربُ بحرفَين.

ومنها "يا لُؤْمَان" بضم اللام بمعنى كثير اللُّؤم، ويا "نَوْمان" بفَتْح النون بمعنى كَثِير النَّوم.

ومنها "فُعَل" مَعْدُولٌ عن "فَاعِل" كـ "يَا غُدَرُ" و "يا فُسَقُ" سَبّاً للمُذَكَّر بِمَعْنَى: يا غَادِرُ ويا فَاسِقُ، وهو سَمَاعيٌّ، ومنه قولهم: "يا هَنَاه" أقبل، ومَعْناه: يا رَجلَ سوء، ومنه "يا مَلْكَعَان" و "يا مَرْتَعَان" و "يا مَحْمَقَان". ومنها "فَعَالِ" مَعْدُولٌ عَنْ فَاعِلةٍ أو فَعِيلةٍ كـ "يَا فَسَاقِ" و "يا خَبَاثِ" و "يا لَكَاعِ" سَبّاً للمُؤنَّث بمَعْنى يا فَاسِقَةُ ويا خَبيثةُ.

أمَّا قَوْلُ أبي الغَرِيبِ النَّصْري يَهْجُو امْرَأَته: وقيل الحُطَيئَة:

أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثمَّ آوي ... إلى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ

باسْتعمالِ "لَكَاعِ" خبراً لقَعِيدته وهذا مِنَ الضَّرُورَة، ويَنْقَاسُ "فَعَالِ" هُنَا و "فعَالِ" بمعنَى الأَمْر كـ "نَزَالِ" من كلِّ فِعْلٍ ثُلاَثيٍّ تامٍّ مُتصَرِّفٍ نحو "كَسِلَ وَلَعِبَ" بِخِلاَفِ نحو "دَحْرَجَ" وَكَانَ ونِعْمَ وبِئْسَ.

-١٢ نِدَاءُ المَجْهُولِ الاسْمِ، أو مَجْهُولَتِه:

يُقَالُ في نِدَاء المَجْهُولِ الاسْم، أو المَجْهُولَتِه "يا هَنُ" و "يا هَنْتُ" وفي التَّثْنِيَّة "يَا هَنَانِ وَيَا هَنَتانِ" وفي الجَمْع " يا هَنُون" و" يا هَنَاتٍ".

النُّدْبَةُ: النُّدبةُ: تَفَجُّعٌ ونَوْحٌ مشنْ حُزْنٍ وغَمٍّ يَلْحَقُ النَّادِبَ عَلى المَنْدُوبِ عند فَقْدِه.

-١ المَنْدُوب:

هُو المُتَفَجَّع عَلَيه لفَقْدِه حقيقةً كقول جَرير يَنْدُبُ عُمَر بنَ عبدِ العزيز:

"وقمتَ فيهِ بأمْرِ اللَّهِ يَا عُمرا" أو تَنْزِيلاً كقَولِ عمرَ بنِ الخطّاب، وقد أُخْبِرَ بجَدْبٍ أَصَابَ بعضَ العَرَب: "واعُمراه" (واعُمَراه: وا: حرف نَدبة عمراه مُنادى مندوب مبني على الضم المقدَّر منع من ظهوره الفتحة المناسبة للألف في محل نصب، والألف للنَّدْبة، والهاء للسكت) .

أو المُتَوجَّع له كقَولِ قَيْس العَامِري:

فوا كَبِدَا مِنْ حُبِّ مَنْ لا يُحِبُّني ... ومن عَبَراتٍ مَا لَهُنَّ فَنَاءُ

أو المُتَوجَّعُ مَنْه نحو "وامُصيبتَاه".

-٢ أَدَوَتُها:

أَدَوَاتُ النُّدْبَةِ حَرفَان:

"يَا" و "وا" ويكونَانِ قَبْلَ الاسمِ.

-٣ أحكام المَنْدُوبِ:

للمَنْدُوبِ أحكامٌ:

(أحَدُها) أنَّهُ كالمُنَادَى غيرِ المَنْدُوب فيُبنى على الضَّم في نحو: "واخَلِيفَةَ رسُولِ الله" وإذا اضْطُرَّ إلى التَنوينِهِ في الشِّعر جازَ ضَمُّه ونَصْبُهُ، نحو:

"وافَقْعَساً وَأَينَ مِنِّي فَقْعَسُ".

(الثاني) أنَّه يَخْتَصُّ من بينِ الأدواتِ بـ "وَا" مُطلَقاً وبـ "يَا" إن أُمِنَ اللَّبْسُ كَمَا في قَولِ جرير المتَقَدَّم "يا عُمَرا".

(الثالث) أنَّه لا يُنْدَبُ إلا العَلَمُ المَشْهُورُ ونَحْوُه، كالُضافِ إضَافَةً تُوضِّحُ المَنْدُوب تَوضِيحَ العَلَم، والمَوْصُولِ الذي اشتُهِرَ بصلَةٍ تعيِّنُه نحو "واحُسَينَاه" و "وادِينَ مُحَمَّداه" و "وامَنْ هاجَرَ إلى مَدِينَاه" فلا يُندَبُ العَلَمُ غيرُ المَشور، ولا النَّكرَة كـ "رَجل" ولا المُبْهَم كـ "أي" واسمِ الإشَارَة، والمَوصُول غير المُشْتَهِرِ بالصِّلَة".

الغالبُ أن يُختمَ بالأَلفِ الزَّائدَةِ وهَاءِ السَّكْت، ويُحذفُ لَها مَا قَبْلَها مِنْ أَلِفٍ في آخِرِ الاسمِ نحو "وامُواساه" أو مِن تَنْوين في صِلةٍ نحو "وامَنْ فَتَح قَلْبَاه" أو تَنوينٍ في مُضَافٍ إليه، نحو "واغُلام مُحَمَّداه" أو ضَمَّة نحو" وامُحمَّداه" أو كَسْرةٍ نحو "واحَاجِبَ المَلِكَاه" فإنْ أَوْقَعَ حَذْفُ، الضَّمَّة، أو الكَسْرَة في لَبْسٍ أُبْقِيَتَا، وجُعِلتْ الأَلِفُ واواً بَعْدَ الضَّمةِ، نحو "واغُلامَهُمُو" أو "واغُلاَمَكُمُو" (فلو قيل: واغلامها، أو وَاغلامكما، التَبَس المذكر بالمؤنث في الأُولى والجمع بالمثنى في الثانية) ، وياء بعد الكسرة نحو "واغلاَمَكِي" (فلو قيل "واغلامكا" التبس بالمذكر) .

-٤ المندوبُ المُضَافُ للياءِ:

إذا نُدِب المُضَافُ لليَاءِ الجَائِزُ فيه اللغاتُ الست (انظر هذه اللغات الست في مبحث "النداء" رقم (٧/٣)) ، فَعَلَى لغة من قال "يا غُلامِ" بالكسر، أو "يا غلامُ" بالضم، أو "يا غُلامَا" بالألف، أو يا "غُلامِي" بالإسْكان يقال" "واغُلاَمَا" وعلى لُغَةِ مَنْ قال: "يا غُلامِيَ" بالفتح، أو "يا غُلاَمِي" بالإسكان بإبقاءِ الفَتح على الأوَّل: وباجْتِلاَبِه على الثاني (قد استبان أن لِمَن سَكَّن الياءَ أن يَحْذفها أو يَفْتَحها) .

وإذا قِيلَ "يا غُلامَ غُلامِي" لم يجز في النُّدْبَة حَذْفُ اليَاءِ، لأَنَّ المُضَافَ إلى الياءِ غَيرُ مُنادَى، ولَمَّا لم يُحذَف في النِّداءِ لم يُحذَفْ في النُّدْبَةِ.

-٥ ألِفُ النُّدْبَة تَابِعَةٌ لما قبلها:

وإنَّما جَعلُوها تَابِعةً ليُفَرَّقوا بين المُذَكَّر والمؤَنَّث، وبَيْنَ الاثْنَين والجَمْع، وذَلِكَ قَوْلُكَ: "وَاظَهْرَهُوه" إذا أضَفْت الظهرَ إلى مُذَكَّر، وإنَّما جَعَلْتَها وَاوَاً لتُفرِّق بين المُذَكَّر والمُؤَنَّث إذا قلت: وَاظْهَرَهَاه للمؤنَّث.

وتقول: "وَاظْهَرَهُمُوهُ" وإنما جعلت الأَلِفَ وَاواً لتُفرَّق بينَ الاثنين والجَمِيع إذا قُلتَ: "وَاظْهرَهْمَاهُ" للاثنين. وتَقُول: "واغُلاَ مَكِيَهْ" إذا أضَفْتَ الغُلام إلى مُؤَنَّث، وإنَّما فَعَلُوا ذلك ليُفرَّقُوا بينها وبين المذكر إذا قلت: "واغُلاَمَكَاهْ". وتقول: "واانْقِطَاعَ ظَهْرِهُوه" في قول من قال: "مررتِ بِظَهْرِهُو قبلُ"، وتقول: "وانْقِطَاعَ ظَهْرِهِيْه" في قولِ من قال: "مَرَرْتُ بظَهرِ هِي قَبلُ".

-٦ مَا يَلحَقُ المَنْدُوبَ مِن الصفات:

وذلكَ قولُك "وازَيدث الظَّرِيفُ والظرِيفَ" والخليل - كما يقول سيبويه - مَنَع من أنْ يقول: وازَيْدٌ الظَرِيفَاهْ، لأنَّ الظرِيفَ ليسَ بمُنادَى. وليس هذا كقولِكَ "واأمِيرَ المؤمِنِينَاهُ" ولا مثلَ "واعْبَد قَيْسَاهُ" من قِبَلِ أنَّ المُضَافَ والمُضَافَ إليه بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ واحِدٍ مُنْفَرِدٍ، والمضافُ إلَيْه هو تَمامُ الاسْمِ ومُقْتَضَاه، أَلاَ تَرَى أنَّك لَوْ قُلتَ: عَبْداً أَوْ أَمِيراً وأنْتَ تُريدُ الإِضَافَة لم يَحُزْ لك، ولو قلتَ: هَذَا زيدٌ، كنتَ في الصِفةِ بالخِيارِ إنْ شئت وصَفْتَ وإنْ شِئتَ لم تَصِفْ. ولَسْتَ في المُضَافِ إليه بالخِيَار لأنَّه من تمامِ الاسْمِ، ويَدلُّك على ذلك أنَّ ألف الندبة إنَّما تَقَع على المُضَافِ إليه كما تَقعُ على آخر الاسمِ المُفْرد، ولا تَقَعُ على المُضَاف، والمَوْصُوفُ إنما تَقَعُ أَلفُ الندبةِ عليه لا عَلى الوَصْفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>