آدَابُ الْجَوَارِحِ ثُمَّ عَلَى كُلِّ جَارِحَةٍ مِنَ الْجَوَارِحِ آدَابٌ تَخْتَصَّ بِهَا، فَآدَابُ الْعَيْنِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى إِخْوَانِهِ نَظَرَ مَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ يَعْرِفُهَا مِنْكَ هُوَ وَمَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ، وَيَكُونَ نَظَرُهُ إِلَى مَحَاسِنِهِ وَإِلَى أَحْسَنِ شَيْءٍ يَصْدُرُ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَصْرِفَ عَنْهُ بَصَرَهُ فِي وَقْتِ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَكَلَامِهِ مَعَهُ. وَآدَابُ السَّمْعِ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَى حَدِيثِهِ سَمَاعَ مُشْتَهٍ لِمَا سَمِعَهُ، مُتَلَذِّذٍ بِهِ ⦗١٢٣⦘، وَإِذَا كَلَّمْتَهُ لَا تَصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُ، وَلَا تَقْطَعْ حَدِيثَهُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَإِنِ اضْطَرَّكَ الْوَقْتُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَعْذَرْتَهُ فِيهِ، وَأَظْهَرْتَ لَهُ عُذْرَكَ. وَآدَابُ اللِّسَانِ أَنْ تُكَلِّمَ إِخْوَانَكَ بِمَا يُحِبُّونَ، ثُمَّ فِي وَقْتِ نَشَاطِهِمْ لِسَمَاعِ مَا تُكَلِّمُهُمْ بِهِ، وَتَبْذُلُ لَهُمْ نَصِيحَتَكَ، وَتُدِلُّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَتُسْقِطُ مِنْ كَلَامِكَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَخَاكَ يَكْرَهُهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَرْفَعْ عَلَيْهِ صَوْتَكَ، وَلَا تُخَاطِبْهُ بِمَا لَا يَفْهَمُ، وَكَلِّمْهُ بِمِقْدَارِ فَهْمِهِ وَعِلْمِهِ. وَآدَابُ الْيَدَيْنِ أَنْ يَكُونَا مَبْسُوطَتَيْنِ لِإِخْوَانِهِ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ، لَا تُقْبِضْهُمَا عَنْهُمْ وَعَنِ الْإِفْضَالِ عَلَيْهِمْ وَمَعُونَتِهِمْ فِيمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ. وَآدَابُ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يُمَاشِيَ إِخْوَانَهُ عَلَى حَدِّ التَّبَعِ، وَلَا يَتَقَدَّمَهُمْ، فَإِنْ قَرَّبَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ مِقْدَارَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَوْضِعِهِ، وَلَا يَقْعُدْ عَنْ حُقُوقِ إِخْوَانِهِ مُعَوِّلًا عَلَى الثِّقَةِ بِإِخْوَانِهِمْ؛ لِأَنَّ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ قَالَ: تَرْكُ قَضَاءِ حُقُوقِ الْإِخْوَانِ مَذَلَّةٌ وَيَقُومُ لِإِخْوَانِهِ إِذَا أَبْصَرَهُمْ مُقْبِلِينَ، وَلَا يَقْعُدْ إِلَّا بِقُعُودِهِمْ، وَيَقْعُدُ حَيْثُ يُقْعِدُونَهُ كَذَلِكَ.
٢٠٥ - أُنْشِدْتُ لِمَنْصُورٍ أَوْ غَيْرِهِ:
[البحر المتقارب]
فَلَمَّا بَصُرْنَا بِهِ مُقْبِلًا ... حَلَلْنَا الْجُثَا وَابْتَدَرْنَا الْقِيَامَا
فَلَا تَنْكِرَنْ قِيَامِي لَهُ ... فَإِنَّ الْكَرِيمَ يُجِلُّ الْكِرَامَا
هَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ آدَابَ الظَّوَاهِرِ عُنْوَانِ آدَابِ السَّرَائِرِ , كَذَلِكَ
٢٠٦ - رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَمَسُّ لِحْيَتَهُ فَقَالَ: «لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ»
⦗١٢٤⦘
٢٠٧ - وَلَمَّا قَالَ الْجُنَيْدُ لِأَبِي حَفْصٍ: أَدَّبْتَ أَصْحَابَكَ آدَابَ السَّلَاطِينِ، فَقَالَ: لَا، أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنَّ حُسْنَ آدَابِ الظَّاهِرِ عُنْوَانُ حُسْنِ آدَابِ الْبَاطِنِ وَتَعَلَّمْ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ وَحَالٍ وَصُحْبَةٍ خَرَجَ مِنْ قَالَبِ الْأَدَبِ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ.
٢٠٨ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَدَّبَنِي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي»
٢٠٩ - وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ" ⦗١٢٥⦘ ثُمَّ تَعَلَّمْ هَذَا: أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ ظَاهِرِهِ لِصُحْبَةِ الْخَلْقِ وَعَشِيرَتِهِمْ، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ بِاطِنِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ نَظَرِ اللَّهِ، وَآدَابُهَا أَنْ تَكُونَ بِمُلَازَمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالرِّضَا، وَالصَّبْرِ، وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ، وَالِاهْتِمَامِ بِأُمُورِهِمْ.
٢١٠ - فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute