قد يقول قائل: إذا كان المؤلف بتلك المنزلة العالية في المعرفة بصحيح الحديث ومطروحه، فما بالنا نرى كتابه هذا وغيره من كتبه قد شحنها بالأحاديث الواهية.؟
والجواب: أن القاعدة عند علماء الحديث أن المحدث إذا ساق الحديث بسنده، فقد برئت عهدته منه، ولا مسؤولية عليه في روايته، ما دام أنه قد قرن معه الوسيلة التي تمكن العالم من معرفة ما إذا كان الحديث صحيحًا أو غير صحيح، ألا وهي الإسناد.
نعم، كان الأولى بهم أن يتبعوا كل حديث ببيان درجته من الصحة أو الضعف ولكن الواقع يشهد أن ذلك غير ممكن بالنسبة لكل واحد منهم وفي جميع أحاديثه على كثرتها، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، ولكن أذكر منها أهمها، وهي أن كثيرًا من الأحاديث لا تظهر صحتها أو ضعفها إلا يجمع الطرق والأسانيد، فإن ذلك مما يساعد على معرفة علل الحديث، وما يصح من الأحاديث لغيره، ولو أن المحدثين كلهم انصرفوا إلى التحقيق وتمييز الصحيح من الضعيف لما استطاعوا - والله أعلم - أن يحفظوا لنا هذه الثروة الضخمة من الحديث والأسانيد، ولذلك انصبت همة جمهورهم على مجرد الرواية إلا فيما شاء الله، وانصرف سائرهم إلى النقد والتحقيق، مع الحفظ والرواية وقليل ما هم (ولكلٍ وجهةٌ هو مُوليها فاستبقوا الخيرات).
ولما كان أكثر الناس اليوم لا معرفة عندهم بالأسانيد ورواتها، ولا بالحديث الصحيح منه والضعيف. رأينا أنه لا بد من التعليق على هذا الكتاب وغيره بمقدار ما يبين حال الأحاديث المرفوعة فيه، وبعض الموقوفة، مع الكلام على بعض رواتها أحيانًا.
وما كان من تعليقات مختومًا بحرف (ز) فهو من عمل أخي الأستاذ زهير الشاويش حيث قام بالإشراف على طبع الكتاب ومقابلته وفهرسته، جزاه الله الخير.
أسأل الله تعالى أن ينفع به القراء، ويلهمنا وإياهم العمل بما علمنا. إنه ولي التوفيق.