أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ⦗١٦٧⦘ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) يَعْنِي: بِإِيمَانٍ فَأَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَبْنَاءَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ " قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي وَلَدِ الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَجَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ فِي جَرَيَانِ الْقَلَمِ بِسَعَادَةِ كُلِّ نَسَمَةٍ أَوْ شَقَاوَتِهَا فَمَنَعَ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِإِلْحَاقِ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا عَمَلَهُ، فَجَاءَتْ أَخْبَارٌ بِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَعَلِمْنَا بِهَا جَرَيَانَ الْقَلَمِ بِسَعَادَتِهِمْ، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ» أو قال: «دَعَامِيصُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعُوا إِلَى آبَائِهِمْ» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي هَلَكَ ابْنٌ لَهُ قَالَ: فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا فُلَانُ أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمْرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ فَذَاكَ لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ أَهَذَا لِهَذَا خَاصَّةً أَوْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَاكَ لَهُ؟ قَالَ: مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ⦗١٦٨⦘ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهَا ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الصَّبْرِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ وَافَى أَبَوَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيَلْحَقُ بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتُهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسْتَفْتَحُ لَهُ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَيُحْكَمُ لَهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ جَرَى لَهُ الْقَلَمُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مَا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا، وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فَقَالَ: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فَلَمَّا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِي بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُوَافُونَ الْقِيَامَةَ مُؤْمِنِينَ وَإِلحَاقِ ذُرِّيَّتِهِمْ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ حَالِهِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَرُجُوعِهِ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ فَكَذَلِكَ قَطْعُ الْقَوْلِ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْلُودِينَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُ مَتْبُوعِهِ وَبِمَا جَرَى لَهُ بِهِ الْقَلَمُ فِي الْأَزَلِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، وَكَانَ إِنْكَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَطْعَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ⦗١٦٩⦘ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَنْ أَبِيهَا لِهَذَا الْمَعْنَى، فَنَقُولُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَلَا نَقْطَعُ الْقَوْلَ بِهِ فِي آحَادِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَالَ بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى فِي التَّوَقُّفِ فِي أَمْرِهِمْ جَعَلَ امْتِحَانَهُمْ وَامْتِحَانَ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute