للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُدِئَ بِهِ فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهُ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَدْفِنَكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ غَيْرَةً: كَأَنِّي بِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَ: وَأَنَا وَارَأْسَاهُ ادْعِي لِي أَبَاكَ وَأَخَاكَ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ وَيأَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ جُلوسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي ابْتدَاءِ مَرَضِهِ وَقَوْلَهُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ» ⦗٣٤٢⦘ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُعَلَّى: «مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذِبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي " فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَدلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ فَنَبَّهُ أُمَّتَهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ فَضِيلَتِهِ وَسَابِقتِهِ وَحُسْنِ أَثَرِهِ ثُمَّ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، ثُمَّ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ عَلِمَ بإِعْلَامِ اللَّهِ إِيَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتمعِونَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ خِلَافَتَهُ تنعَقِدُ بإِجمَاعِهِمْ عَلَى بَيْعتِهِ، وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلَهُمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور: ٥٥] وَقَالَ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: ٤١] فَلَّمَا وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ خِلَافَتَهُمْ حَقٌّ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى إِمَامَةِ الصِّدَّيقِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَورَةِ بَرَاءَةَ لِلقَاعِدِينَ عَنْ نُصْرَةِ ⦗٣٤٣⦘ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: ٨٣] وَقَالَ فِي سَورَةٍ أُخْرَى {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدونَ أَنْ يُبَدِّلوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: ١٥] يَعْنِي قَوْلَهُ {لَنْ تَخْرُجوا مَعِيَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٣] ثُمَّ قَالَ: {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: ١٥] وَقَالَ: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلونَهُمْ أَوْ يُسْلِمونَ فَإِنْ تُطِيعُوا} [الفتح: ١٦] الدَّاعِيَ لَكُمْ إِلَى قِتَالِهِمْ {يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [الفتح: ١٦] يَعْنِي: تُعْرِضُوا عَنْ إِجَابَةِ الدَّاعِي لَكُمْ إِلَى قِتَالِهِمْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩] وَهَلِ الدَّاعِي لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ لَهُ {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: ٨٣] وَقَالَ فِي سَورَةِ الْفَتْحِ {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: ١٥] فَمَنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ خُرُوجَهُمْ مَعَهُ تَبْدِيلًا لَكلَامِهِ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ الَّذِي يَدْعُوهُمْ إِلَى الْقِتَالِ دَاعٍ يَدْعُوهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: ٥] هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَكذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمْ فَارِسُ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَارِسُ، وَفِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ الْيَمَامَةِ فَقَدْ قُتِلُوا فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِيقِ وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ وَبَنِي ⦗٣٤٤⦘ حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ فَارِسَ فَقَدْ قُوتِلُوا أَيَّامَ عُمَرَ وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى قِتَالِ كِسْرَى وَأَهْلِ فَارِسَ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ فَإِنَّهُ أَرَادَ تَنْحِيَةَ أَهْلِ الرُّومِ عَنْ أَرْضِ الشَّامِ وَقَدْ قُوتِلُوا فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ تُمْ قِتَالُهُمْ وَتَنْحِيتُهُمْ عَنِ الشَّامِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ مَعَ قِتَالِ فَارِسَ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ إِمَامَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَفِي وُجُوبِ إِمَامَةِ أَحَدِهِمَا وَجُوبُ إِمَامَةِ الْآخَرِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغيرُهُ مِنْ عُلمَائِنَا فِي إِثْبَاتِ إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] فَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ارْتِدَادِ قَوْمٍ فَوَعَدَ رَسُولَهُ وَوَعْدُهُ صِدْقٌ أَنَّهُ يَأْتِي اللَّهُ بِقوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونهُ أَذَلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهدِونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَلَمَّا وُجِدَ مَا كَانَ فِي عِلْمِهِ فِي ارْتِدَادِ مِنَ ارْتَدَّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجِدَ تَصْدِيقُ وَعْدِهِ بِقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بقِتَالَهُمْ فَجَاهَدَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ عَصَاهُ مِنَ الْأَعْرَابِ وَلَمْ يَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ حَتَّى ظَهَرَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ وَصَارَ تَصْدِيقُ وَعْدِهِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً لِلعَالَمِينَ وَدَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

<<  <   >  >>