لِلْبَشَرِ، وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩] ، فَلَوْ كَانَتِ الْبِحَارُ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ لِنَفِدَتِ الْبِحَارُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَلَمْ يَلْحَقِ الْفَنَاءُ كَلِمَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا لَا يَلْحَقُ الْفَنَاءُ عِلْمَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَنْ فَنِيَ كَلَامُهُ لَحِقَتْهُ الْآفَاتُ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّكُوتُ، فَلَمَّا لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا، وَقَدْ نَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلَامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلَاكَ عَنْ وَجْهِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: ١٩] ، مَعْنَاهُ: قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أَوْ نَزَلَ بِهِ رَسُولٌ كَرِيمٌ. فَقَدْ قَالَ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] ، فَأَثْبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَلَامًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكلَامًا لِلَّهِ، دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] مَعْنَاهُ: سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَأَنْزَلْنَاهُ مَعَ الْمَلَكِ الَّذِي أَسْمَعْنَاهُ إِيَّاهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ لِيَعْقِلُوا مَعْنَاهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: ٦٢] ، يَعْنِي: يَصِفُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَلْقَ. وَقَوْلُهُ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذِكْرًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ كَلَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعْظِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute