للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو ⦗١٠٨⦘ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، إِجَازَةً قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُعَيْبٍ الْمِصْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ» وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا نَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَلْسِنَتِنَا وَنَسْمَعُهُ بِآذَانِنَا وَنَكْتُبُهُ فِي مَصَاحِفِنَا يُسَمَّى كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِهِ الْإِبَانَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: مَنْ جَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - قَالَ: يَعْنِي الْإِمَامَ - أَنْ يُجِيرَهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] . وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكلِّمَ رَجُلًا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا: مَنْ قَالَ يَحْنَثُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: ٥١] ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْمُنَافِقِينَ: {قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: ٩٤] ، وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي تَنَزَّلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُخْبِرُهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ: إِنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ ⦗١٠٩⦘ بِالْمُوَاجَهَةِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَكَرَ بَاقِيَ الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَذَكَرَهُ. فَقَدْ سَمَّى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا مَا نُسَمِّيهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كَانَ يَكُونُ بِالْمُوَاجَهَةِ فِي الْحُكْمِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ قَدْ يَكُونُ بِالرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ كَلَامًا وَتَكْلِيمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: حَدِّثُونَا أَتَقُولُونَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ؟ قِيلَ لَهُ: نَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: ٢٢] ، فَالْقُرْآنُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: ٤٩] ، وَهُوَ مَتْلُوٌّ بِالْأَلسِنَةِ، قَالَ اللَّهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: ١٦] ، فَالْقُرْآنُ مَكْتُوبٌ فِي مَصَاحِفِنَا فِي الْحَقِيقَةِ، مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِنَا فِي الْحَقِيقَةِ، مَتْلُوٌّ بِأَلْسِنَتِنَا فِي الْحَقِيقَةِ مَسْمُوعٌ لَنَا فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦]

<<  <   >  >>