٢٠٧٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهَلَّبِ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ السَّاحِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ , عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَدَثَ فِي أُمَّتِي الْبِدَعُ ⦗٢٥٦٣⦘ وَشُتِمَ أَصْحَابِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَقُلْتُ لِلْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ: مَا إِظْهَارُ الْعِلْمِ؟ . قَالَ: إِظْهَارُ السُّنَّةِ , إِظْهَارُ السُّنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ رَسَمْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ كِتَابُ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ شَمِلَهُ الْإِسْلَامُ مُحْتَاجٌ إِلَى عِلْمِهِ لِفَسَادِ مَذَاهِبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ , وَلَمَّا قَدْ ظَهَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَهْوَاءِ الضَّالَّةِ وَالْبِدَعِ الْمُتَوَاتِرَةِ مَا أَعْلَمَ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ تَقْوَى بِهِ نُفُوسُهُمْ , وَمَقْمَعَةٌ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّمَنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْشَدَنَا قَصِيدَةً قَالَهَا فِي السُّنَّةِ وَهَذَا مَوْضِعُهَا , وَأَنَا أَذْكُرُهَا لِيَزْدَادَ بِهَا أَهْلُ الْحَقِّ بَصِيرَةً وَقُوَّةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ: أَمْلَى عَلَيْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي مَسْجِدِ الرَّصَافَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ فَقَالَ تَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ:
[البحر الطويل]
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اللَّهِ وَاتَّبِعِ الْهُدَى ... وَلَا تَكُ بِدْعِيًا لَعَلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَنِ الَّتِي ... أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُ
وَقُلْ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَلَامُ مَلِيكِنَا ... بِذَلِكَ دَانَ الْأَتْقِيَاءُ وَأَفْصَحُوا
وَلَا تَغْلُ فِي الْقُرْآنِ بِالْوَقْفِ قَائِلًا ... كَمَا قَالَ أَتْبَاعٌ لِجَهْمٍ وَأَسْجَحُوا
وَلَا تَقُلِ: الْقُرْآنُ خَلْقٌ قَرَأْتُهُ ... فَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ بِاللَّفْظِ يُوضَحُ
وَقُلْ يَتَجَلَّى اللَّهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... كَمَا الْبَدْرُ لَا يَخْفَى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
وَلَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ بِوَالِدٍ ... وَلَيْسَ لَهُ شِبْهٌ تَعَالَى الْمُسَبَّحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الْجَهْمِيُّ هَذَا وَعِنْدَنَا ... بِمِصْدَاقِ مَا قُلْنَا حَدِيثٌ مُصَرِّحُ
رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ مَقَالِ مُحَمَّدٍ ... فَقُلْ مِثْلَ مَا قَدْ قَالَ فِي ذَاكَ تَنْجَحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الْجَهْمِيُّ أَيْضًا يَمِينَهُ ... وَكِلْتَا يَدَيْهِ بِالْفَوَاضِلِ تَنْضَحُ
وَقُلْ: يَنْزِلُ الْجَبَّارُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ... بِلَا كَيْفٍ جَلَّ الْوَاحِدُ الْمُتَمَدَّحُ
إِلَى طَبَقِ الدُّنْيَا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ ... فَتُفْرَجُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُفْتَحُ
يَقُولُ: أَلَا مُسْتَغْفِرٍ يَلْقَى غَافِرًا ... وَمُسْتَمْنِحٌ خَيْرًا وَرِزْقًا فَيُمْنَحُ
رَوَى ذَاكَ قَوْمٌ لَا يُرَدُّ حَدِيثُهُمْ ... أَلَا خَابَ قَوْمٌ كَذَّبُوهُمْ وَقُبِّحُوا
وَقُلْ: إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... وَزِيرَاهُ قِدْمًا ثُمَّ عُثْمَانُ الْأَرْجَحُ
وَرَابِعُهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَهُمُ ... عَلِيٌّ حَلِيفُ الْخَيْرِ بِالْخَيْرِ مُنْجِحُ
وَإِنَّهُمْ وَالرَّهْطُ لَا رَيْبَ فِيهِمُ ... عَلَى نُجِبِ الْفِرْدَوْسِ فِي الْخُلْدِ تَسْرَحُ
سَعِيدٌ وَسَعْدٌ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ ... وَعَامِرُ فِهْرٍ وَالزُّبَيْرُ الْمُمَدَّحُ
وَقُلْ: خَيْرُ قَوْلٍ فِي الصَّحَابَةِ كُلِّهِمُ ... وَلَا تَكُ طَعَّانًا تَعِيبُ وَتَجْرَحُ
فَقَدْ نَطَقَ الْوَحْي الْمُبِينُ بِفَضْلِهِمُ ... وَفِي الْفَتْحِ آيٌ فِي الصَّحَابَةِ تَمْدَحُ
وَبِالْقَدَرِ الْمَقْدُورِ أَيْقِنْ فَإِنَّهُ ... دِعَامَةُ عِقْدِ الدِّينِ وَالدَّيْنُ أَفْيَحُ
وَلَا تُنْكِرَنَّ جَهْلًا نَكِيرًا وَمُنْكَرًا ... وَلَا الْحَوْضَ وَالْمِيزَانَ إِنَّكَ تُنْصَحُ
وَقُلْ: يُخْرِجُ اللَّهُ الْعَظِيمُ بِفَضْلِهِ ... مِنَ النَّارِ أَجْسَادًا مِنَ الْفَحْمِ تُطْرَحُ
عَلَى النَّهَرِ فِي الْفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ ... كَحَبَّةِ حَمْلِ السَّيْلِ إِذْ جَاءَ يَطْفَحُ
وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لِلْخَلْقِ شَافِعٌ ... وَقُلْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ: حَقٌّ مُوَضَّحُ
وَلَا تُكَفِّرَنَّ أَهْلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ عَصَوْا ... فَكُلُّهُمْ يَعْصِي وَذُو الْعَرْشِ يَصْفَحُ
وَلَا تَعْتَقِدْ رَأْيَ الْخَوَارِجِ إِنَّهُ ... مَقَالٌ لِمَنْ يَهْوَاهُ يُرْدِي وَيَفْضَحُ
وَلَا تَكُ مُرْجِئًا لَعُوبًا بِدِينِهِ ... أَلَا إِنَّمَا الْمُرْجِيُّ بِالدَّيْنِ يَمْزَحُ
وَقُلْ: إِنَّمَا الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَنِيَّةٌ ... وَفِعْلٌ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُصَرَّحُ
وَيَنْقُصُ طَوْرًا بِالْمَعَاصِي وَتَارَةً ... بِطَاعَتِهِ يُنَمَّى وَفِي الْوَزْنِ يَرْجَحُ
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ ... فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَزْكَى وَأَشْرَحُ
وَلَا تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْا بِدِينِهِمْ ... فَتَطْعَنُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَتَقْدَحُ
إِذَا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ يَا صَاحِ هَذِهِ ... فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيتُ وَتُصْبِحُ
ثُمَّ قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: هَذَا قَوْلِي وَقَوْلُ أَبِي وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَوْلُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ لَمْ نُدْرِكْ مِمَّنْ بَلَغَنَا عَنْهُ , فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ غَيْرِ هَذَا فَقَدْ كَذَبَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِهَذَا وَبِجَمِيعِ مَا رَسَمْتُهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا وَهُوَ كِتَابُ الشَّرِيعَةَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا نَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَنَنْصَحُ إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَجَمِيعِ الْمَسْتُورِينَ فِي ذَلِكَ؛ فَمَنْ قَبِلَ فَحَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَمَنْ رَغِبَ عَنْهُ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ , وَأَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ نَبِيُّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْمِهِ لَمَّا نَصَحَهُمْ فَقَالَ {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: ٤٤]