للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، ثنا ابْنُ خَلَّادٍ , قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ يَقُولُ بِالظَّاهِرِ: " إِذَا دَفَعَ الْمُحَدِّثُ إِلَى الَّذِي يَسْأَلُهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ كِتَابًا , ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَرَأْتُهُ وَوَقَفْتُ عَلَى مَا فِيهِ , وَقَدْ حَدَّثَنِي بِجَمِيعِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ , عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ , سَوَاءً حَرْفًا بِحَرْفٍ ـ فَإِنَّ لِلْمَقُولِ لَهُ مَا وَصَفْنَا أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ فَيَقُولُ «حَدَّثَنِي» أَوْ «أَخْبَرَنِي» فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ , وَلَا يَقُولُ «حَدَّثَنِي» فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا قَالَ: «حَدَّثَنَا» فُلَانٌ , ثُمَّ يَسُوقُ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا قَالَ: حَدَّثَنَا حِكَايَةٌ تُوجِبُ سَمَاعَ الْأَلْفَاظِ , وَهُوَ لَمْ يَسْمَعِ الْأَلْفَاظَ , وَسَوَاءٌ إِذَا اعْتَرَفَ لَهُ بِمَا وَصَفْنَا أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَهُ، أَوْ لَا يَقُولَ ذَلِكَ , لِأَنَّ الْغَرَضَ إِنَّمَا هُوَ سَمَاعُ الْمُخْبَرِ الْإِقْرَارَ مِنَ الْمُخْبِرِ , فَهُوَ إِذَا سَمِعَهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ , أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ سَمِعَ مِنَ رَجُلٍ حَدِيثًا , ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمُحَدِّثُ: لَا أُجِيزُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَهُ عَنِّي , كَانَ ذَلِكَ لَغْوًا , وَلِلسَّامِعِ أَنْ يَرْوِيَهُ , أَجَازَهُ الْمُحَدِّثُ لَهُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ؟ فَهَكَذَا أَيْضًا إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ وَوَقَفَ عَلَى مَا فِيهِ , وَأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنَ فُلَانٍ كَمَا فِي كِتَابِهِ , لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ: ارْوِهِ عَنِّي , وَلَا قَدْ أَجَزْتُهُ لَكَ , وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَقُولَ: لَا تَرْوِهِ عَنِّي , وَلَا أَنْ يَقُولَ: لَسْتُ أُجِيزُهُ لَكَ , بَلْ رِوَايَتُهُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ جَائِزَةٌ " قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِ الْمُحَدِّثِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ أَوْ يُجِزْهُ لَهُ , وَإِنْ نَاوَلَهُ إِيَّاهُ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَثَّلْنَاهُ فِي أَوَّلِ النَّوْعِ الْخَامِسِ , وَصِحَّةُ الرِّوَايَةِ لِمَا نُووِلَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ , وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيَّ حَدَّثَنِي عَنْهُ , قَالَ: فَإِنْ قَالَ: مَا وَجْهُ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تُحَدِّثَ بِمَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيثِي , وَحَدِّثْ عَنِّي بِمَا فِي كِتَابِي هَذَا , وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ , وَبَيْنَ أَلَّا تَقُولَهُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَفَائِدَةُ الْمُنَاوَلَةِ وَالْإِجَازَةِ: أَنَّ الْعَدْلَ الثِّقَةَ إِذَا قَالَ: حَدِّثْ عَنِّي بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ حَدِيثِي , وَحَدِّثْ بِمَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيثِي , فَقَدْ أَجَزْتُ لَكَ التَّحْدِيثَ بِهِ لَمْ يَجُزْ فِي صِفَتِهِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ , وَهُوَ شَاكٌّ فِيمَا فِي كِتَابِهِ وَمُرْتَابٌ بِهِ , فَلَا يَقُولُ: حَدِّثْ بِمَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيثِي إِلَّا وَهُوَ فِي نَفْسِهِ عَلَى صِفَةٍ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْهُ , فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ التَّحْدِيثُ بِمَا نَاوَلَهُ وَلَمْ يُجِزْهُ , لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ الْكِتَابَ الَّذِي يَشُكُّ فِيمَا فِيهِ , وَقَدْ يَصِحُّ عِنْدَ الْغِيَرِ مِنْ حَدِيثِهِ مَا يَعْتَقِدُ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحَدِّثُ بِهِ , لِعِلَلٍ فِي حَدِيثِهِ هُوَ أَعْرَفُ بِهَا , كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَشْهَدُ بِالشَّهَادَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُقِيمَهَا , وَلَا أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ عَلَيْهَا , وَإِذَا شَهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ كَانَ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ أَدَائِهِ لَهَا , وَعَلِمَ أَنَّهَا فِي نَفْسِهِ عَلَى صِفَةٍ يَجُوزُ إِقَامَتُهَا , فَكَذَلِكَ سَبِيلُ الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ مِنَ الْعَدْلِ الثِّقَةِ

<<  <   >  >>