للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , قَالَا: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْخَلَّالُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَكِيلُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ , عَنْ أَصْبَغِ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ خَالِدِ بْنِ كَثِيرٍ , عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ , عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا» , قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟ قَالَ: " أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: ١٢] " فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ أَنْ يَسْأَلُوهُ , فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ , وَقَالَ: «مَا لَكُمْ لَا تَسْأَلُونِي؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , سَمِعْنَاكَ تَقُولُ مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا " وَنَحْنُ لَا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ كَمَا سَمِعْنَاهُ , نُقَدِّمُ حَرْفًا وَنُؤَخِّرُ حَرْفًا , وَنَزِيدُ حَرْفًا وَنَنْقُصُ حَرْفًا , قَالَ: " لَيْسَ ذَلِكَ أَرَدْتُ , إِنَّمَا قُلْتُ: مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ , يُرِيدُ عَيْبِي وَشَيْنَ الْإِسْلَامِ أَوْ شَيْنِي وَعَيْبَ الْإِسْلَامِ " ⦗٢٠١⦘ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ لِلْعَالِمِ بِمَعْنَى خَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِلسَّامِعِ بِقَوْلِهِ: أَنْ يَنْقُلَ مَعْنَى خَبَرِهِ بِغَيْرِ لَفْظِهِ وَغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ , وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى رُسُلِهِ وَسُفَرَائِهِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ , أَنْ يَرْوُوا عَنْهُ مَا سَمِعُوهُ وَحَمَلُوهُ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ وَتَعَبَّدَهُمْ بِفِعْلِهِ , عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ , سِيَّمَا إِذَا كَانَ السَّفِيرُ يَعْرِفُ اللُّغَتَيْنِ , فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكِلَ مَا يَرْوِيهِ إِلَى تُرْجُمَانٍ وَهُوَ يَعْرِفُ الْخِطَابَ بِذَلِكَ اللِّسَانِ , لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنَ الْغَلَطِ وَقَصْدِ التَّحْرِيفِ عَلَى التُّرْجُمَانِ , فَيَجِبُ أَنْ يَرْوِيَهُ بِنَفْسِهِ , وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ صَحَّ أَنَّ الْقَصْدَ بِرِوَايَةِ خَبَرِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ إِصَابَةُ مَعْنَاهُ وَامْتِثَالُ مُوجَبِهِ , دُونَ إِيرَادِ نَفْسِ لَفْظِهِ وَصُورَتِهِ , وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَزِمَ الْعَجَمَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ دَعْوَةُ الرَّسُولِ إِلَى دِينِهِ , وَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِهِ , وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْكَرُ الْكَذِبُ وَالتَّحْرِيفُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغْيِيرُ مَعْنَى اللَّفْظِ , فَإِذَا أَسْلَمَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُخْبِرًا بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنَ اللَّفْظِ , وَصَادِقًا عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ , وَبِمَثَابَةِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ كَلَامِ زَيْدٍ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَلْفَاظِهِ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ كَلَامِهِ , وَيَنُوبُ مَنَابَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ , فَلَا يُعْتَبَرُ فِي أَنَّ رَاوِيَ ذَلِكَ قَدْ أَتَى بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَلَيْسَ بِكَاذِبٍ وَلَا مُحَرِّفٍ , وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِمِثْلِ ذَلِكَ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَصَّ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَصَصًا , كَرَّرَ ذِكْرَ بَعْضِهَا فِي مَوَاضِعَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ , وَنَقَلَهَا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ إِلَى اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ , وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ , وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمُنْكِرُونَ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَعْنَى بِحُصُولِ الِاتِّقَاقِ عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ قَصَدَ فِيهَا الْإِتْيَانَ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا , نَحْوَ التَّكْبِيرِ , وَالتَّشَهُّدِ , وَالْأَذَانِ , وَالشَّهَادَةِ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِالْحَدِيثِ لَفْظَهُ بِعَيْنِهِ , وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا , فَيُقَالُ لَهُمْ: وَبِأَيِّ وَجْهٍ وَجَبَ إِلْحَاقُ رِوَايَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِهِ بِالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , مِمَّا يَجْرِي ⦗٢٠٢⦘ مَجْرَاهُمَا , فَلَا يَجِدُونَ مُتَعَلَّقًا فِي ذَلِكَ , وَيُقَالُ أَيْضًا: لَوْ أَخَذَ عَلَيْنَا فِي رِوَايَةِ حَدِيثِهِ إِيرَادَ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ لَوَجَبَ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ تَوْقِيفًا يُوجِبُ الْعِلْمَ , وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ , كَالتَّوْقِيفِ لَنَا عَلَى الْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ , وَفِي عَدَمِ تَوْقِيفٍ يَحُجُّ مِثْلُهُ دِلَالَةٌ عَلَى فَسَادِ مَا قُلْتُمْ , ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَصْلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ لَمَّا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى إِبَاحَةِ التَّرْجَمَةِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ , وَالْإِخْبَارِ عَنْ جُمْلَةِ دِينِهِ وَتَفْصِيلِهِ , وَجَبَ لِذَلِكَ جَوَازُ رِوَايَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَى لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَعْجَمِيِّ , فَلَا يَجِدُونَ لِذَلِكَ مَدْفَعًا , وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ» وَبِقَوْلِهِ لِلَّذِي عَلَّمَهُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ يَقُولُ «آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» فِي الْكَلِمَاتِ الْمَشْهُورَةِ , فَقَالَ الرَّجُلُ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ , قَالُوا: لَمْ يُسَوِّغْ لِمَنْ عَلَّمَهُ الدُّعَاءَ مُخَالَفَةَ اللَّفْظِ , فَيُقَالُ لَهُمْ: أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ , لِأَنَّهُ قَدْ عَلَّلَ فِيهِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا يَقُولُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ , وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ , وَإِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الْمُبَلَّغُ أَوْعَى مِنَ السَّامِعِ وَأَفْقَهَ , وَكَانَ السَّامِعُ غَيْرَ فَقِيهٍ وَلَا مِمَّنْ يَعْرِفُ الْمَعْنَى , وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيَةُ اللَّفْظِ لِيَسْتَنْبِطَ مَعْنَاهُ الْعَالِمُ الْفَقِيهُ , وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّعْلِيلِ إِنْ كَانَ حَالُ الْمُبَلَّغِ وَالْمُبَلِّغِ سَوَاءً , عَلَى أَنَّ رُوَاةَ هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ قَدْ رَوَوْهُ عَلَى الْمَعْنَى , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: «رَحِمَ اللَّهُ» , مَكَانَ «نَضَّرَ اللَّهُ» , وَ «مَنْ سَمِعَ» , بَدَلَ «امْرَأً سَمِعَ» , وَ «رَوَى مَقَالَتِي» بَدَلَ «مِنَّا حَدِيثًا» , وَ «بَلَّغَهُ» مَكَانَ «أَدَّاهُ» , وَرَوَى «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَفْقَهُ مِنْ مُبَلِّغٍ» , مَكَانَ «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» , وَ «رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ» , مَكَانَ «لَيْسَ بِفَقِيهٍ» , وَأَلْفَاظٌ سِوَى هَذِهِ مُتَغَايِرَةٌ تَضَمَّنَهَا هَذَا الْخَبَرُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَهُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا فِي كِتَابٍ أَفْرَدْنَاهُ لَهَا , وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نُقِلَ عَلَى الْمَعْنَى , فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا وَاحِدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ , ⦗٢٠٣⦘ وَأَمَّا رَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي قَوْلَهُ: وَبِرَسُولِكَ إِلَى: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ , فَإِنَّ النَّبِيَّ أَمْدَحُ مِنَ الرَّسُولِ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ النَّعْتَيْنِ مَوْضِعٌ , أَلَا تَرَى أَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ يَقَعُ عَلَى الْكَافَّةِ , وَاسْمَ النَّبِيِّ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ خَاصَّةً , وَإِنَّمَا فُضِّلَ الْمُرْسَلُونَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ , لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مَعًا , فَلَمَّا قَالَ: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ جَاءَ بِأَمْدَحِ النَّعْتِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ , ثُمَّ قَيَّدَهُ بِالرِّسَالَةِ حِينَ قَالَ: الَّذِي أَرْسَلْتَ , وَبَيَانٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ , غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ لِأَنَّهُ يُجْتَزَأُ بِالْقَوْلِ أَنَّ هَذَا رَسُولُ فُلَانٍ , عَنْ أَنْ يَقُولَ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِذَا كَانَ لَا يُفِيدُ الْقَوْلُ الثَّانِي إِلَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ , وَكَانَ قَوْلُهُ: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ , يُفِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ , فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَرَدَّهُ إِلَيْهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <   >  >>