وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَارَةِ إِلَى التَّقْصِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ، ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتُ» ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالَ: فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ " قَالَ: حَدَّثَنَا بِهِ نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: ح الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَالنُّبُوَّةُ، وَهِيَ أَعَزُّ مِنَ الْعَشِيرَةِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَوْ كُنْتُ أَنَا مَكَانَهُ حِينَ آتَاهُ الرَّسُولُ لَبَادَرْتُهُ» ، وَلَيْسَ مَعْنَى التَّقْصِيرِ تَقْصِيرًا فِي حَالِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَكِنَّهُ تَقْصِيرٌ فِي حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَقْصِيرٌ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُ حَالًا مِنْهُ أَبَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ارْتِفَاعِ دَرَجَتِهِ عَنْ دَرَجَةِ يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ مَا كَانَ مِنْ يُوسُفَ لَوْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَقْصِيرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ يُوسُفَ تَقْصِيرٌ؛ لِأَنَّ إِظْهَارَ عُذْرِهِ عِنْدَ الْمَلِكِ مِنْ وَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ قَوْلُ لُوطٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِذْ أَوَى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ يَمْنَعُونَنِي فَلَا أُقْتَلُ لِأَصِلَ إِلَى قَضَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَمِنْ يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى طَلَبِ حُظُوظِ النَّفْسِ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدَا حُظُوظَ نَفْسِهِمَا، فَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَخُصُومَةٌ عَنْهُمَا، وَتَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُشْبِهُ التَّقْصِيرَ مِنْ حَالِ مَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ نَفْسُهُ، وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُظُوظُهَا. وَقِيلَ: لَوْ خَرَجَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يُبَرِّئْنَهُ لَاحْتَاجَ إِلَى طَلَبِ الْعُذْرِ مِنَ الْمَلِكِ، فِيمَا رُمِيَ بِهِ، فَلَمَّا تَرَبَّصَ حَتَّى بَرَّأْنَهُ اعْتَذَرَ الْمَلِكُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: ٥٤] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَوْلَا كَلِمَةٌ قَالَهَا مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ» ، فَقِيلَ: الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا قَوْلُهُ لِلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا، أَيْ: صَاحِبَيِ السِّجْنِ {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute