٩٦٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعْتَمِرًا، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: إِنَّا مُؤْمِنُونَ، وَقَدْ ⦗٦٤٣⦘ قُلْنَا ذَلِكَ، اللَّهُمَّ فَحَقِّقْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ وَعَمَلٍ " وَعِلَّةُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ مَعْنَى النِّفَاقِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارُ الْمَرْءِ بِلِسَانِهِ قَوْلًا مَا هُوَ مُسْتَبْطِنٌ خِلَافَهُ، كَنَافِقَاءِ الْيَرْبُوعِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهِ كَيْ إِنْ طَلَبَهِ صَائِدُهُ مِنْ مُدْخَلِهُ مِنْهَا، قَصَّعَ مِنْ قَاصِعَائِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣٥] وَهُوَ السَّرَبُ لِلدُّخُولِ فِيهَا، فَكَذَلِكَ نِفَاقُ الْمُنَافِقِ، هُوَ اتِّخَاذُهُ مَا يُظْهِرُ مِنَ الْقَوْلِ بِلِسَانِهِ بِالْإِيمَانِ، خِدَاعًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَبْطِنٌ بِقَلْبِهِ غَيْرَ الَّذِي يُظْهِرُهُ لَهُمْ بِلِسَانِهِ، كَفِعْلِ الْيَرْبُوعِ بِاتِّخَاذِهِ النَّافِقَاءَ لِطَالِبِ اصْطِيَادِهِ مِنْهُ، وَهُوَ مُعِدٌّ لِلْهَرَبِ عِنْدَ الطَّلَبِ مِنْهُ الْقَاصِعَاءَ خِدَاعًا لِلْصَائِدِ، قَالُوا: فَإِذْ ذَلِكَ مَعْنَى النِّفَاقِ، وَكَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَنَا قَوْلًا بِاللِّسَانِ بِمَا يُحْقِنُ بِهِ الْمَرْءُ دَمَهُ، وَعَمَلًا بِالْجَوَارِحِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ بِالْعَمَلِ بِهِ حَقِيقَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ، وَكَانَ مِنَ ذَلِكَ الْعَمَلُ الَّذِي بِهِ يَسْتَوْجِبُ مَعَ الْقَوْلِ بِمَا ذَكَرْنَا حَقِيقَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ غَيْرَ مُجْتَنِبٍ رُكُوبَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَلَا مُقْصِرٌ فِيمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمَآثِمِ، عَلِمْنَا أَنَّ إِظْهَارَهُ مَا أَظْهَرَ بِلِسَانِهِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ ⦗٦٤٤⦘ سَبَبٌ لِحَقْنِ دَمِهِ، إِنَّمَا أَظْهَرَهُ خِدَاعًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ اسْتِحْلَالِ قَتْلِهِ، وَاسْتِفَاءِ مَالِهِ، وَذَلِكَ هُوَ النِّفَاقُ الَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ، فَهُوَ مُنَافِقٌ فَاسِقٌ لَا مُؤْمِنٌ، قَالُوا: فَلَا اسْمَ لَهُ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِمَّا سَمَّيْنَاهُ بِهِ، قَالُوا: إِذِ الْأَخْبَارُ بَعْدُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَظَاهِرَةٌ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقُ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» ، قَالُوا: وَالزِّنَا وَالسَّرَقُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ، أَعْظَمُ فِي الدِّلَالَةِ عَلَى نِفَاقِ الْمُنَافِقِ مِنْ إِخْلَافِ الْوَعْدِ، وَخِيَانَةِ الْأَمَانَةِ، وَالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ، قَالُوا: وَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّةِ تَسْمِيَتِنَا الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ، وَالشَّارِبَ الْخَمْرَ، وَالْمُنْتَهِبَ النُّهْبَةَ، الَّتِي ذَكَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَافِقًا بِغَيْرِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَزْنِي الْمُؤْمِنُ، وَلَا يَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ، وَلَا يَشْرَبُ الْمُؤْمِنُ الْخَمْرَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْكُفْرِ، قَالُوا: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عَنِ الْإِيمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute