٩٦٧ - حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ، يَقُولُ: «إِنَّهُ لَتَمُرُّ عَلَى الْمَرْءِ سَاعَةٌ، وَمَا فِي جِلْدِهِ مَوْضِعَ إِبْرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَإِنَّهُ لَتَمُرُّ عَلَيْهِ سَاعَةٌ، وَمَا فِي جِلْدِهِ مَوْضِعَ إِبْرَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» وَعِلَّةَ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلَ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ غَيْرَ أَنَّ ⦗٦٥٠⦘ التَّصْدِيقَ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْلٌ، وَالْآخَرُ عَمَلٌ، هُوَ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا رَكِبَ الْمُصَدِّقُ كَبِيرَةً، فَارَقَهُ الْإِيمَانُ، وَزَالَ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ رُكُوبِهِ إِيَّاهَا، كَمَا يُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا: اثْنَانٍ، فَإِذَا افْتَرَقَا فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، لَمْ يَقُلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، وَزَالَ عَنْهُمَا الِاسْمُ الَّذِي كَانَ لَهُمَا فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَكَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ: زَوْجَانِ، فَإِذَا فَارَقَهَا زَالَ عَنْ كُلِّ مِنْهُمَا الِاسْمُ الَّذِي كَانَ لَهُمَا فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ، قَالُوا: فَكَذَلِكَ الْقَوْلَ فِي الْإِيمَانِ، إِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلتَّصْدِيقِ الَّذِي مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِقْرَارِ، وَالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا وَاقَعَ الْمُقِرُّ كَبِيرَةً، زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ فِي حَالِ مُوَاقَعَتِهِ إِيَّاهَا، فَإِذَا كَفَّ عَنْهَا عَادَ لَهُ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْمُوَاقَعَةِ، لِأَنَّهُ فِي حَالِ كَفِّهُ عَنْ غِشْيَانِ الْكَبِيرَةِ، لَهَا مُجْتَنِبٌ، وَبِاللِّسَانِ مُصَدِّقٌ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْإِيمَانِ عِنْدَهُمْ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لِلْإِيمَانِ فَاعِلًا، وَهُوَ بِخِلَافِهِ مَوْصُوفًا، لِأَنَّ الصِّفَاتِ مُوجِبَةٌ لِأَهْلِهَا الْوَصْفَ بِهَا، قَالُوا: وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ، فَإِذَا انْقَلَعَ مِنْ عَلَيْهَا رَجَعَ إِلَيْهِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَزُولُ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمَدْحِ إِلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الذَّمِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَاسِقٌ، فَاجِرٌ، زَانٍ، سَارِقٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ ⦗٦٥١⦘ خُشُوعُ التَّوْبَةِ مِمَّا رَكِبَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَذَلِكَ اسْمُهُ عِنْدَنَا حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ بِظُهُورِ التَّوْبَةِ مِمَّا رَكِبَ مِنَ الْكَبِيرَةِ، فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَفَتُزِيلُ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ بِرُكُوبِهِ ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: نُزِيلُهُ عَنْهُ بِالْإِطْلَاقِ وَنُثْبِتُهُ لَهُ بِالصِّلَةِ وَالتَّقْيِيدِ، فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ تُزِيلُهُ عَنْهُ بِالْإِطْلَاقِ، وَتُثْبِتُهُ لَهُ بِالصِّلَةِ وَالتَّقْيِيدِ؟ قِيلَ: نَقُولُ: مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، مُصَدِّقٌ قَوْلًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَقُولُ مُطْلَقًا: هُوَ مُؤْمِنٌ، إِذَ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَنَا مَعْرِفَةً وَقُولًا وَعَمَلًا، فَالْعَارِفُ الْمُقِرُّ، الْمُخَالِفُ عَمَلًا مَا هُوَ بِهِ مُقِرٌّ قَوْلًا، غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ اسْمَ الْإِيمَانِ بِالْإِطْلَاقِ، إِذْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَعَانِي الَّتِي يَسْتَوْجِبُ بِهَا ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَعَانٍ يَسْتَحِقُّ التَّسْمِيَةَ بِهِ مَوْصُولًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَنُسَمِّيهِ بِالَّذِي تُسَمِّيهِ بِهِ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا، وَنَمْنَعُهُ الْآخَرَ الَّذِي تَمْنَعُهُ دَلَالَةُ كِتَابِ اللَّهِ وَآثَارُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِطْرَةُ الْعَقْلِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارُ مِنَ الْغَرِيبِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «إِنْ أَذْنَبْتَ حَتَّى تَبْلُغَ ذُنُوبُكَ أَعْنَانَ السَّمَاءِ» يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «أَعْنَانَ السَّمَاءِ» أَرْجَاءَهَا وَنَوَاحِيهَا، كَذَلِكَ حُكِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ الْجَرْمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَعْنَانُ كُلِّ شَيْءٍ، نَوَاحِيهِ، وَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ وَالْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا ⦗٦٥٢⦘ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُقَالُ لِنَوَاحِي الشَّيْءِ أَعْنَاؤُهُ، وَلَا نَعْلَمُ رَاوِيًا رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى مَا حُكِيَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَمَنْ ذَكَرْتُ مِنْ أَهْلِ الْغَرِيبِ، بَلِ الرِّوَايَةُ عَنْ كُلِّ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ: «حَتَّى يَبْلُغَ أَعْنَانَ السَّمَاءِ» ، بِالنُّونِ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ يُونُسَ الْجَرْمِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute