١١١٨ - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ فِي الْمَاءِ: «مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَلَا لَوْنُهُ، فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا» وَعِلَّةُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ ظَاهِرُ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: خَبَرُ ابْنُ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، خَبَرٌ مُجْمِلٌ فَسَّرَهُ وَبَيَّنَ مَعْنَاهُ خَبَرُ ابْنُ عُمَرَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْلُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا» ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ كِلَا الْخَبَرَيْنِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٌ لِأَحَدٍ إِبْطَالُ أَحَدِهِمَا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفَسَادِ، مَعَ وُجُودِ السَّبِيلِ إِلَى تَصْحِيحِهِمَا، إِذْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْخَطَأِ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، بَلْ تُنَجِّسُهُ النَّجَاسَاتُ، أَوْ يَقُولُ: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ فِي وَقْتٍ، فَيَنْفُذُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أُمَّتِهِ حِينًا، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ حِينٍ: الْمَاءُ يُنَجِّسُهُ كُلُّ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْرَ ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ تُغَيِّرَ النَّجَاسَةُ لَوْنَهُ ⦗٧٣٧⦘ أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ، ثُمَّ لَا يَنْقُلُ الَّذِينَ شَاهَدُوا قَوْلَيْهِ أَيَّ قَوْلَيْهِ كَانَ أَوَّلًا، وَأَيَّهُمَا كَانَ آخِرًا إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، أَوْ لَا يُبَيِّنُ هُوَ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ قَوْلِهِ الثَّانِي قَدْ نَسَخَ حُكْمَ قَوْلِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي تَرَكِ تَبْيِينِ ذَلِكَ، لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى مَا ظَنُّهُ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ، تَلْبِيسًا عَلَى الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَاللَّازِمَ لَهُمُ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يِتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَاسِخٌ الْآخَرَ، أَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَارِضٌ الْآخَرَ وَدَافِعٌ مَعْنَاهُ، أَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ سَقِيمٌ، بَلْ هُمَا عِنْدَنَا صَحِيحَانِ، لِعَدَالَةِ رُوَاتِهِمَا، وَمَخْرَجَهُمَا كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقَوْلُ بِهِمَا مِنْهُ فِي وَقْتَيْنِ، أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بِغَيْرِ فَصْلٍ لَهُ بِأَوْقَاتٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كَتُبِنَا فَسَادَ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِإِجَازَةِ حُكْمَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا: نَاسِخٌ الْآخَرَ بِغَيْرِ بَيَانٍ لِلْأُمَّةِ النَّاسِخَ مِنْهُمَا مِنَ الْمَنْسُوخِ، وَخَطَأَ قَوْلِ الزَّاعِمِينَ بِإِجَازَةِ وُرُودِ أَخْبَارٍ تَصِحُّ مَخَارِجُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَارِضًا بَعْضُهَا بَعْضًا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَشْهَدْنَا بِهَا عَلَى فَسَادِهَا فِي أَمَاكِنِهَا، فَلَمْ يَبْقَ قَوْلٌ يَصِحُّ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، إِذْ كَانَا صَحِيحِي الْمَخْرَجِ، إِلَّا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ» ، أَوْ أَنْ يُقَالَ قَالَ: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، فَيَزُولَ عَنْهُ مَعْنَى الْمَاءِ» ، فَرَوَى عَنْهُ بَعْضُ مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِبَعْضِ سَائِلِيهِ الَّذِينَ قَدْ عَرَفُوا أَنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ يَتَنَجَّسُ بِمَا يَحُلُّ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ عَمَّا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ قُلَّتَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، وَهُوَ يَعْنِي غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي قَدْ عَرَفَهُ السَّائِلُ وَالْمَسْئُولُ: أَنَّهُ يُنَجَّسُ بِمَا حَلَّ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَرَوَى عَنْهُ بَعْضُ سَائِلِيهِ الَّذِينَ جَهِلُوا حُكْمَ قَلِيلِ مَا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنَ الْمَاءِ وَكَثِيرِهِ، عَلَى حَسَبِ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» ⦗٧٣٨⦘ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: قَدْ فَهِمْنَا وَجْهَ تَصْحِيحِكَ الْخَبَرَيْنِ الْوَارِدَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَالْآخَرُ مِنْهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» ، وَوَقَفْنَا عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ مَعْنَيَيْهِمَا، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا مُبِيَّنٌ مَعْنَى الْآخَرَ، فَمَا قَدْرُ الْقُلَّتَيْنِ الَّذِي إِذَا كَانَ بِهِ الْمَاءُ لَمْ يَحْتَمِلْ نَجَسًا إِلَّا بِاسْتِحَالَتَهُ عَنْ مَعْنَى الْمَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْرُ ذَلِكَ قَدْرُ خَمْسِ قِرَبٍ فِيمَا قِيلَ بِالْقِرَبِ الْعِظَامِ، فَإِنْ قَالَ: وَمَا الدَّلَالَةُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْرَهُ، دُونَ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ قِرَبِهِ، أَوْ بَعْضَ قِرَبِهِ، إِذْ كَانَتِ الْقِرْبَةُ الْوَاحِدَةُ مَعْرُوفًا لَهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ قَدْرَ قِلَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْ قِلَالِ الْعِرَاقِ؟ قِيلَ: الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ، دُونَ مَا خَالَفَهُ، نَقْلُ الْحُجَّةِ وِرَاثَةً عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ الْعِرَاقِ مِنَ الْمَاءِ، لَوْ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ طَعْمًا، وَلَا لَوْنًا، وَلَا رِيحًا، أَنَّهُ نَجَسٌ غَيْرُ جَائِزٍ التَّطَهُّرُ بِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْقِلَالَ الَّتِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْدِيدُ قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ بِقُلَّتَيْنِ مِنْهَا، غَيْرُ قِلَالِ الْعِرَاقِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ قِلَالِ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَلَكِنِّهَا الْقِلَالُ الَّتِي وَصَفْتُ صِفَتَهَا، إِذْ كَانَ الْمَاءُ إِذَا كَانَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَدْرُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، فَهُوَ الْمُخْتَلَفِ فِي جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِهِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ، فَمَحْكُومٌ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ بِقَلِيلِ مَا يَحُلُّ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهِ، بِنَقْلِ الْحُجَّةِ الَّتِي يَقْطَعُ مَجِيئُهَا الْعُذْرُ وِرَاثَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ تَدَّعِي عَلَى الْحُجَّةِ نَقْلَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْتَ، وَمَنْ رَوَيْتَ لَنَا عَنْهُ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ؟» وَمَنْ قَالَ بِخِلَافِ مَا اخْتَرْتَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّنْ وَافَقَكَ مِنْهُمْ فِيهِ؟ ⦗٧٣٩⦘ قِيلَ: إِنَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ قُولِي فِي ذَلِكَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا رَجُلٌ قَالَ بِتَنْجِيسِ قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي قَضَيْتُ بِطَهَارَتِهِ، إِذَا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مَا لَمْ تُغَيِّرِ النَّجَاسَةُ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ بِالْقَلِيلِ مِنَ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَكَثِيرِهَا، فَهُوَ مُخَالِفٌ بِقَوْلِهِ مَا وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ الثَّانِيَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْتَمِلْ نَجَسًا» ، فَالْمُنَاظَرَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي تَصْحِيحِ الْخَبَرِ الْوَارِدِ عَنْهُ بِذَلِكَ وَتَسْقِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِمَّا رَجُلٌ قَالَ بِتَطْهِيرِ قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي قَضَيْتُ بِتَنْجِيسِهِ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إِذَا حَلَّتْ فِيهِ، فَذَلِكَ رَجُلٌ مُخَالِفٌ مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ وِرَاثَةً عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُسْأَلُ مَنْ حَكَمَ لِمَا قَضَيْنَا مِنَ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ بِحُلُولِ مَا فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا بِالطَّهَارَةِ، إِذَا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَذَلِكَ كَرِطْلٍ مِنْ مَاءٍ حَلَّ فِيهِ نِصْفُ رِطْلٍ مِنْ بَوْلٍ، فَلَمْ يُغَيِّرْ لَهُ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا، فَيُقَالُ لَهُ: أَلَيْسَ هُوَ عِنْدَكَ طَاهِرًا؟ فَإَنْ قَالَ: لَا، تَرَكَ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ، وَقَالَ فِيهِ الْحَقَّ، وَإِنْ قَالَ: بَلَى، قِيلَ لَهُ: فَمَا قَوْلُكَ فِي الْوُضُوءِ بِهِ، أَلَيْسَ جَائِزًا؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ لَهُ: وَمَا شَأْنُهُ لَمْ يَجُزِ الْوُضُوءُ بِهِ، وَهُوَ مَاءٌ طَاهِرٌ عِنْدَكَ، وَأَيُّ مَاءٍ طَاهِرٍ وَجَدْتَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؟ ⦗٧٤٠⦘ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قَالَ ذَلِكَ، تَرَكَ أَصْلَهُ وَنَقَضَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ قَوْلَهُ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ حُلُولِ النَّجَاسَةِ طَاهِرًا جَائِزًا الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِذَا أَبَى إِجَازَةَ الْوُضُوءِ بِهِ بَعْدَ حُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَلَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ غَيَّرَتْهُ عَنْ حَالِهِ الْأُولَى الَّتِي كَانَ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَحُلُّ فِيهِ، فَقَدْ أَبَى إِجَازَةَ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَذَلِكَ نَقْضُ قَوْلِهِ، وَخُرُوجٌ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِنْ قَالَ: بَلِ الْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ. قِيلَ لَهُ: أَوَلَيْسَ الْقَائِمُ إِلَى صَلَاتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أُمِرَ بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَ لَهُ وَاجِدًا، وَكَانَ قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَيْهَا مُحْدِثًا حَدَثًا يُوجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: فَأَخْبِرْنَا عَنِ الْمُتَوَضِّئِ بِالرِّطْلِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي قَدْ خَالَطَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ قَدْرُ مَا ذَكَرْتَ، أَمُتُوَضِّئٌ هُوَ بِالْمَاءِ، أُمْ بِالْمَاءِ وَالْبَوْلِ؟ . فَإِنْ قَالَ: بِالْمَاءِ. قِيلَ لَهُ: أَوَلَيْسَ الْمَاءُ كَانَ رِطْلًا فَصَارَ بِالْبَوْلِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ رِطْلًا وَنِصْفًا، فَهَلِ الزِّيَادَةُ عَلَى الرِّطْلِ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا الْبَوْلُ؟ . فَإِنْ قَالَ: إِنَّ الْبَوْلَ لَمَّا حَلَّ فِي الْمَاءِ صَارَ مَاءً طَاهِرًا، قِيلَ لَهُ: وَمَا الَّذِي أَوْجَبَ مَصِيرَهُ مَاءً وَهُوَ قَبْلَ مَصِيرِهِ فِي الْمَاءِ بَوْلٌ؟ وَهَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَكَ فِي ذَلِكَ، فَزَعَمَ أَنَّ النِّصْفَ الرِّطْلَ مِنَ الْبَوْلِ قَدْ حَوَّلَ بِحُلُولِهِ فِي الطَّاهِرِ مِنَ الْمَاءِ مِقْدَارَهُ مِنَ الْمَاءِ بَوْلًا، إِذْ كَانَ أَعْيَانُ الْأَشْيَاءِ بِامْتِزَاجِهَا يَسْتَحِيلُ بَعْضُهَا عَنْ مَعْنَاهُ إِلَى مَعْنَى مَا مَازَجَهُ، وَأَنَّ الَّذِي فِيمَا مَازَجَهُ ⦗٧٤١⦘ الْبَوْلُ مِنَ الرِّطْلِ الْمَاءُ نِصْفُ رِطْلٍ، بِمَصِيرِ النِّصْفِ الرِّطْلِ الْآخَرِ بَوْلًا بِامْتِزَاجِ النِّصْفِ الرِّطْلِ مِنَ الْبَوْلِ بِهِ فَرْقٌ مِنْ أَصْلٍ، أَوْ نَظِيرٍ؟ فَإِنْ قَالَ: الْفَرَقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وُجُودِيُّ، غَلَبَةَ طَعْمِ الْمَاءِ، وَلَوْنِهِ، وَرِيحِهِ عَلَى الَّذِي حَلَّ فِيهِ مِنَ الْبَوْلِ بِكَثْرَةِ أَجْزَائِهِ، فَعَلِمْتُ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَوْلَ هُوَ الَّذِي اسْتَحَالَ مَاءً دُونَ الْمَاءِ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِيلُ بَوْلًا لَكَانَ طَعْمُ الْبَوْلِ، وَلَوْنُهُ، وَرِيحُهُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْمَاءِ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ قَدِ اسْتَحَالَ مَاءً عِنْدَكَ، فَقَدِ ازْدَادَتْ أَجْزَاءُ الْمَاءِ كَثْرَةً لَا قِلَّةً، وَصَارَ الْمَاءُ رِطْلًا وَنِصْفًا. فَإِنْ قَالَ: الْأَمْرُ كَذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ نَحْنُ أَلْقَيْنَا عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أُوقِيَّةً أُخْرَى مِنَ الْبَوْلِ، فَتَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ، وَلَوْنُهُ، وَرِيحُهُ، فَصَارَ بِلَوْنِ الْبَوْلِ وَطَعْمِهِ، وَرِيحِهِ، أَتَرَى الرِّطْلَ وَالنِّصْفَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عِنْدَكَ مَاءً طَاهِرًا، اسْتَحَالَ جَمِيعُهُ بَوْلًا نَجَسًا بِقَدْرِ الْأُوقِيَّةِ مِنَ الْبَوْلِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ؟ فَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَفَى خَصْمَهُ مَؤُونَتَهُ بِإِجَابَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى سَامِعِهِ فَسَادُهُ، وَجَهْلُ قَائِلِهِ، وَإِجَازَتُهُ اسْتِحَالَةَ الرِّطْلَ وَالنِّصْفَ الرِّطْلِ مِنَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالْأُوقِيَّةِ أَوِ النِّصْفِ الْأُوقِيَّةِ مِنَ الْبَوْلِ يَحِلُّ فِيهِ، بَوْلًا نَجَسًا مَعَ زَعْمِهِ أَنَّ الرِّطْلَ مِنَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ إِذَا حَلَّ فِيهِ مِثْلُ نِصْفِهِ بَوْلٌ، فَلَمْ يَظْهَرْ لِلْبَوْلِ فِيهِ طَعْمٌ، وَلَا لَوْنٌ، وَلَا رِيحٌ، أَنَّهُ قَدِ اسْتَحَالَ الْبَوْلُ كُلُّهُ مَاءً طَاهِرًا، وَعُدِمَتْ عَيْنُ الْبَوْلِ، وَصَارَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ رِطْلًا قَبْلَ حُلُولِ الْبَوْلِ فِيهِ، رِطْلًا وَنِصْفَ رِطْلٍ بِحُلُولِ النِّصْفِ الرِّطْلِ ⦗٧٤٢⦘ مِنَ الْبَوْلِ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ، كَانَ اسْتِحَالَةُ الْأُوقِيَّةِ مِنَ الْبَوْلِ فِي الرِّطْلِ وَالنِّصْفِ الرِّطْلِ مِنَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ مَاءً أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنَ اسْتِحَالَةِ النِّصْفِ الرِّطْلِ مِنَ الْبَوْلِ فِي الرِّطْلِ مِنَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ مَاءً، إِلَّا عِنْدَ مَنْ كَابَرَ عَقْلَهُ، وَأَضْحَكَ مِنْ نَفْسِهِ خُصُومَهُ. وَإِنْ قَالَ: إِذْ وَضَحَ لَهُ فَسَادُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ: بَلِ الْمُتَوَضِّئُ بِالْمَاءِ الَّذِي قَدْ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ، مُتَوَضِّئٌ بِمَاءٍ وَنَجَاسَةٍ. قِيلَ لَهُ: أَفَأُمِرَ الْقَائِمُ إِلَى الصَّلَاةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ أَمْ بِالْمَاءِ وَالْبَوْلِ النَّجِسِ؟ فَإِنْ قَالَ: بِالْمَاءِ وَالْبَوْلِ النَّجِسِ، كَفَى خَصْمَهُ مَؤُونَتَهُ. وَإِنْ قَالَ: بَلْ أُمِرَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، تَرَكَ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي قَدْ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ. فَإِنْ قَالَ بَعْضُ مَنْ سَأَلْنَاهُ هَذَا السُّؤَالَ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ وَإِنْ قَلَّ، بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةُ إِيَّاهُ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهِ طَعْمُهَا أَوْ لَوْنُهَا، أَوْ رِيحُهَا، فَيَسْتَحِيلُ عَنْ مَعْنَى الْمَاءِ: إِنَّ الَّذِي أَلْزَمْتَنَا بِهَذَا السُّؤَالِ، لَكَ لَازِمٌ مِثْلُهُ فِي قَوْلِكَ: إِنَّ الْمَاءَ إِذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ، فَأَحَالَهُ عَنْ مَعْنَى الْمَاءِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ، لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ طَعْمًا، وَلَا لَوْنًا، وَلَا رِيحًا، وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ، فَلَمْ تُعْمِلْ فِي سُؤَالِكَ إِيَّانَا فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْمَاءِ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَإِلْزَامُكَ إِيَّانَا مَا أَلْزَمْتَنَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ نَبَّهْتَنَا عَلَى مُطَالَبَتِكَ، وَمَوْضِعُ الْعَوْرَةِ فِي مَذْهُبِكَ وَقَوْلِكَ فِي الْمَاءِ إِذَا كَانَ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ ⦗٧٤٣⦘ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ، وَنَحْنُ نَقْلِبُ عَلَيْكَ هَذَا السُّؤَالَ بِعَيْنِهِ، فَنَقُولُ لَكَ: أَرَأَيْتُ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ مِنَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ، بِالْقِلَالِ الَّتِي ذَكَرْتَ، إِنِ انْصِبَّ فِيهِ مِثْلُ رُبْعِهِ مِنَ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، لَمْ يَتَغَيَّرْ لَهُ طَعْمٌ، وَلَا لَوْنٌ، وَلَا رِيحٌ، فَتَوَضَّأَ بِهِ مُتَوَضِّئٌ، أَيُجْزِيهِ وُضُوءُهُ بِهِ؟ فَإِنْ قُلْتَ: لَا، تَرَكْتَ قَوْلَكَ فِي ذَلِكَ وَهَدَمْتَ مَا تَبْنِي فِيهِ، وَإِنْ قُلْتَ: نَعَمْ، قِيلَ لَكَ: أَخْبِرْنَا عَنْهُ، أَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ وَحْدَهُ أَمْ بِمَاءٍ وَبَوْلٍ؟ وَسَأَلْنَاكَ مِثْلَ سُؤَالِكَ إِيَّانَا، فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ لَنَا؟ وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي لَزِمَنَا مِنْ قَوْلِكِ؟ بَلْ نُلْزِمُكَ مِثْلَهُ فِي قَوْلِكَ الَّذِي خَالَفْتَنَا بِهِ. قِيلَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِي مَا قُلْنَا، كَالَّذِي ظَنَنْتَ، لَكَانَ سُؤَالُنَا عَمَّا سَأَلْنَاكُمْ عَنْهُ ظُلْمًا، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِي ظَنَنْتَ، بَلْ قَوْلُنَا فِي ذَلِكَ: النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ، إِذَا خَالَطَتِ مَاءً، فَإِنَّ الْمَاءَ لَمْ تَسْتَحِلْ عَيْنُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْمَاءِ، غَلَبَ طَعْمُ النَّجَاسَةِ، وَلَوْنُهَا عَلَيْهِ، وَرِيحُهَا عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا النَّجَاسَةُ اسْتَحَالَتْ عَيْنُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى النَّجَاسَةِ إِلَى مَعْنَى الْمَاءِ، وَلَكِنَّهُمَا عَيْنَانِ مُمتَزِجَتَانِ، وَرَدَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجَازَتِهِ التَّطَهُّرِ بِذَلِكَ، وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ لَوْنُ الْمَاءِ وَطَعْمُهُ، دُونَ طَعْمِ النَّجَاسَةِ، وَلَوْنِهَا، وَرِيحِهَا، فَقُلْنَا بِإِجَازَتِهِ كَمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ عَنْهُ. وَلَوْ كُنَّا قُلْنَا مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ اسْتِنْبَاطًا وَاسْتِخْرَاجًا، كُنَّا قَدْ سَاوَيْنَاكَمُ، وَلَكِنَّا فَصَلْنَا مِنْكُمْ بِأَنَّا قُلْنَا مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَثَرِ، وَقُلْتُمْ مَا قُلْتُمُوهُ اسْتِنْبَاطًا مِنَ النَّظَرِ، فَأَرَيْنَاكُمْ عَيْبَ مَا قُلْتُمْ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لِتَعْلَمُوا فَسَادَهُ. فَإِنْ قَالَ: إِنَّا وَإِنْ كُنَّا أَيَّدْنَا قَوْلَنَا بِالنَّظَرِ، فَإِنَّ مَعَنَا أَيْضًا مِنَ الْأَثَرِ مَا قَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ⦗٧٤٤⦘. قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ خَبَرٌ مُجْمَلٌ قَدْ فَسَّرَتْهُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ، وَأَرَيْنَاكُمُ الشَّوَاهِدَ عَلَى فَسَادِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: يَنْجُسُ الْمَاءَ بِمَا حَلَّ فِيهِ مِنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي حَلَّ فِيهِ قَدْرَ بَرَكَةٍ عَظِيمَةٍ، إِذَا حُرِّكَ أَحَدُ جَوَانِبِهَا، لَمْ تَتَحَرَّكِ الْجَوَانِبُ الْأُخْرَى بِتَحَرُّكِ مَا حُرِّكَ مِنْهَا، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْبَطَائِحُ وَالْبَحْرُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ تَنْجِيسِكُمِ الْمَاءَ الَّذِي هُوَ أَقَلُ مِنْ قَدْرِ مَا قُلْتُمْ إِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ بِمَا حَلَّ فِيهِ مِنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهَا، أَبِنَصٍّ قُلْتُمْ بِتَنْجِيسِهِ أَمِ الْقِيَاسُ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ قَالُوا بِالنَّصِّ، سُئِلُوا عَنْ تَبْيِينِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِمًّا مِنْ نَقْلِ الْعَامَّةِ أَوْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ، وَعَزِيزٌ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ قَالُوا: قُلْنَاهُ قِيَاسًا، قِيلَ لَهُمْ: مَا الْأَصْلُ الَّذِي قِسْتُمْ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ، الَّذِي هُوَ قُلَّةٌ أَوْ أَقَلُّ مِنْ قُلَّةٍ بِقِلَالِ الْعِرَاقَ، يَنْجُسُ بِقَلِيلِ مَا حَلَّ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، إِذَا كَانَ مُجْتَمِعًا رَاكِدًا فِي مَوْضِعٍ، وَذَلِكَ قَدْرٌ مِنَ الْمَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا حُرِّكَتْ نَاحِيَةٌ مِنْهُ تَحَرَّكَتْ نَوَاحِيهِ كُلُّهَا، وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا حَلَّتْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ، أَوْ فِي جَانِبٍ مِنَ جَوَانِبِهِ، امْتَزَجَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَنَجُسَ جَمِيعُهُ، وَهُمْ مَعَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، مُجْمِعُونَ عَلَى الْبَطِيحَةِ، وَالْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، أَنَّهُمَا لَا يَنْجُسَانِ، وَهُمَا مَاءَانِ إِذَا حُرِّكَ جَانِبٌ مِنْ جَوَانِبِ أَحَدِهِمَا لَمْ ⦗٧٤٥⦘ يَتَحَرَّكِ الْجَانِبُ الْآخَرُ مِنْهُ، فَأَلْحَقْنَا حُكْمَ كُلِّ مَاءٍ رَاكِدٍ إِذَا حُرِّكَ جَانِبٌ مِنْهُ لَمْ يَتَحَرَّكِ الْجَانِبُ الْآخَرُ، بِحُكْمِ الْبَطِيحَةِ الرَّاكِدِ مَاؤُهَا، وَالْبَحْرِ الدَّائِمِ مَاؤُهُ، وَأَلْحَقْنَا كُلَّ مَاءٍ قَائِمٍ إِذَا حُرِّكَ جَانِبٌ مِنْهُ تَحَرَّكَ الْجَانِبُ الْآخَرُ مِنْهُ، بِحُكْمِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ، الَّذِي هُوَ قَدْرُ قُلَّةٍ مِنْ قِلَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، الْمُجْمَعِ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ يَنْجُسُ جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ لَوْنًا وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا. قِيلَ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنِ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ نَجَسًا مِنَ الْمَاءِ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، أَلَيْسَ الْمَاءُ يَنْجُسُ عِنْدَكُمْ بِامْتِزَاجِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، إِذَا وَقَعَتِ النَّجَاسَةُ فِي جَانِبٍ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَرَكُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الَّذِيَ إِذَا حُرِّكَ جَانِبٌ مِنْهُ لَمْ يَتَحَرَّكِ الْجَانِبُ الْآخَرُ، إِنَّمَا حَكَمُوا لَهُمْ بِالطَّهَارَةِ، إِذَا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، يَتَنَجَّسُ الْجَانِبُ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَلَا يَتَنَجَّسُ الْجَانِبُ الْآخَرُ؛ لِإَنَّهُ لَا يَمْتَزِجُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَنَجَّسُ مِنْهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَمَا حَوْلَهُ دُونَ جَمِيعِهِ. وَإِنْ قَالُوا: بَلَى، قِيلَ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْمَاءِ الَّذِي صِفَتُهُ مَا ذَكَرْتُمْ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِهَا لَمْ يَحْتَمِلْ نَجِسًا، وَكَانَ كَالْبَطِيحَةِ، وَالْبَحْرِ إِذَا دَخَلَتِ النَّجَاسَةُ فِي جَانِبٍ مِنْهُ وَنَاحِيَةٍ، أَلَيْسَ الْمَوْضِعُ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ مِنْهُ نَجِسٌ عِنْدَكُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَرَكُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: بَلَى، قِيلَ لَهُمْ: فَأَخْبِرُونَا عَنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، هَلْ يُجْزِئُ مُتَوَضِّئًا إِنْ تَوَضَّأَ بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلَى: تَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ ⦗٧٤٦⦘، وَإِنْ قَالُوا: لَا، قِيلَ لَهُمْ: فَأَخْبِرُونَا عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ نَجِسًا لَا يُجْزِئُ مُتَوَضِّئًا لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الطَّهَارَةِ، وَكَانَ يَنْجُسُ مَا لَاقَى مِنْ بَدَنِ مَنْ لَاقَى بَدَنَهُ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ فِيمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ، فِيمَا حَلَّ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَفِيمَا لَاقَاهُ مِنْهُ مِنَ الْمَاءِ. أَطَاهِرٌ هُوَ عِنْدَكُمْ أَمْ نَجِسٌ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُ طَاهِرٌ، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ. وَقِيلَ لَهُمْ: مَا جَعْلُ مَا لَاقِي مِنَ الْمَاءِ طَاهِرًا، وَمَا لَاقَاهُ مِنْ أَبْدَانِ بَنِي آدَمَ وَثِيَابِهِمْ نَجَسًا يُنَجِّسُ مَا لَاقَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَجْسَدَةِ، وَالْمَائِعَةِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ؟ فَهُوَ لِنَوْعِهِ أَشَدُّ تَنْجِيسًا. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ نَجِسٌ. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ مَا لَقِيَ النَّجِسَ صَارَ نَجِسًا، بِتَنْجِيسِ الْجُزْءِ الَّذِي لَقِيَ الْجُزْءَ النَّجِسَ مِنْهُ، لَا يَبْقَى جُزْءٌ مِنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ إِلَّا صَارَ نَجِسًا بِتَنْجِيسِ أَقَلِّ قَلِيلِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الْأَمْرُ كَذَلِكَ، قَضَوْا عَلَى الْمَاءِ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا حُرِّكَ أَحَدُ جَوَانِبِهِ لَمْ يَتَحَرَّكِ الْجَانِبُ الْآخَرُ مِنْهُ، بِأَنَّ جَمِيعَهُ نَجِسٌ بِأَقَلِّ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ الَّذِي تَحُلُّ فِي بَعْضِهِ، وَعَلَى مَاءِ الْبَطِيحَةِ، وَالْبَحْرِ نَجَاسَتَهُ جَمِيعِهِ بِذَلِكَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ يَتَعَاطَى الْجَدَلَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، أَنَّهُ أُلْزِمَ هَذَا السُّؤَالَ، فَرَأَى أَنَّهُ لَازِمٌ، فَمَضَى عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ نَفْسَهُ، وَقَضَى عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ ⦗٧٤٧⦘ وَالْبَطِيحَةِ بِالنَّجَاسَةِ، إِذَا عَلِمَ أَنَّ نَجَاسَةً قَدْ حَلَّتْهُ. وَبِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الْجَهْلِ أَنْ يَسْتَجِيزَ لِنَفْسِهِ مَا يَسْتَقْبِحَهُ الْعَالِمُ، فَضْلًا عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِنْ قَالُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ: هُوَ طَاهِرٌ، وَفِي بَعْضِهِ هُوَ نَجِسٌ. قِيلَ لَهُمْ: أَوَلَيْسَ الَّذِي يَنْجُسُ مِنْهُ إِنَّمَا صَارَ نَجِسًا بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ إِيَّاهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِنَّمَا صَارَ نَجِسًا بِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقِي النَّجَاسَةَ، لَمْ يُلَاقِهِ إِلَّا بَعْدَمَا صَارَ الْجُزْءُ الَّذِي يَلِي النَّجَاسَةَ نَجِسًا، فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا بِمَا حَكَمْتُمْ لَهُ بِالطَّهَارَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَقَدْ لَاقَى مَاءً نَجِسًا، وَإِنَّمَا حَكَمْتُمُ الَّذِي وَلِي النَّجَاسَةَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ لِمُلَاقَاتِهِ مَا لَاقَى مِنَ النَّجَاسَةِ؟ وَهَذَا قَوْلٌ إِذَا تَدَبُّرَهُ ذُو فَهْمٍ بِعَقْلِهِ، لَمْ يَخْفَ تَنَاقُضُهُ، وَإِفْسَادُ بَعْضِهِ بَعْضًا. فَإِنْ قَالَ لَنَا مِنْهُمْ قَائِلٌ: فَإِنَّا نَرُدُّ عَلَيْكَ هَذَا السُّؤَالَ بِعَيْنِهِ فِي قَوْلِكَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْتَمِلِ الْمَاءُ نَجَسًا، فَنَقُولُ: أَخْبِرُونَا عَنْ قُلَّتَيْ مَاءٍ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ طَعْمًا، وَلَا لَوْنًا، وَلَا رِيحًا، أَتَقُولُ إِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنْهُ طَاهِرٌ؟ فَإِنْ قُلْتَ: نَعَمْ، قِيلَ لَكَ: وَكَيْفَ يَكُونُ طَاهِرًا، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ الَّتِي حَلَّتْ فِيهِ لَمْ تَنْقَلِبْ؟ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ شَيْءٌ نَجِسًا، مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ صَارَ طَاهِرًا هُوَ بِحَالِهِ لَمْ يَحُلْ عَنْ مَعْنَاهُ؟ . قِيلَ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي قَضَيْنَا لِأَعْيَانِهَا بِالنَّجَاسَةِ، إِنَّمَا حَكَمْنَا لَهَا بِذَلِكَ لِحُكْمِ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لَهَا بِهِ، تَسْلِيمًا مِنَّا لِقَضَائِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ مِنَّا فِيمَا حَكَمْنَا لَهُ بِالطَّهَارَةِ، فَجَعَلْنَا النَّجَاسَةَ إِذَا لَاقَتْ طَاهِرًا إِلَى الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ رَطْبَةً أَوْ لَاقَتْهُ وَهِيَ يَابِسَةً، وَمَا لَاقَتْهُ رَطْبٌ نَجِسًا بِحُكْمِ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - بِذَلِكَ حَكَمْنَا ⦗٧٤٨⦘ لِلْمَاءِ إِذَا كَانَ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ بِالطَّهَارَةِ، وَإِنْ حَلَّتْ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute