وَقَالُوا فِيمَا
١١٤٢ - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَسْأَلُ النَّاسَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ يَقُولُ: «هَلْ رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟» ⦗٧٦٩⦘ كُلَّمَا دَخَلَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُ: «هَلْ رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟» بَيَانُ أَنَّ الْعَمَلَ إِنَّمَا جَرَى فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَقَدِيمِ الْأَيَّامِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا اعْتَرَضَ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ الْجَمَاعَةَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ، دُونَ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ سَبِيلُ ذَلِكَ سَبِيلَ الشَّهَادَاتِ، لَمَا قَصَدَ بِمَسْأَلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ، إِلَّا عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولًا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ، دُونَ كُلِّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ جَمَاعَاتِ النَّاسِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ، وَلَا يُوقَفُ عَلَى دِيَانَاتِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ عَلَى مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْخَبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ ⦗٧٧٠⦘ خَبَرٌ نَظِيرُ الْمَنْقُولِ عَنِ الْحُجَّةِ الَّتِي يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ مَنْ أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ الصَّادِقُ وَاحِدًا كَانَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ، أَوْ جَمَاعَةٌ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا صَادِقًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبُولِهِ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ، وَلِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي الدِّينِ، الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى: «لَطِيفُ الْقَوْلِ» فِي الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مُخَالِفٌ الْخَبَرَ عَنِ الْحُجَّةِ بِرِسَالَةٍ أَدَّاهَا عَنِ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - إِلَيْهِ فِي شَرِيعَةٍ شَرَعَهَا وَفَرِيضَةٍ فَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، فَإِنَّمَا يُودِعُهَا وَيُبَلِّغُهَا مَنْ يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ مَقَامَ الْحُجَّةِ عَلَى مِنَ انْتَهَى إِلَيْهِ فِيمَا بَلَّغَهُ وَأَوْدَعَهُ؛ لِأَنَّ مَا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ دِينٌ ثَابِتٌ وَفَرْضٌ لَازِمٌ الْعِبَادَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَبَرُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، بَلِ الْمُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْإِخْبَارِ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَلَا أُقِيمَ خَبَرُهُ - إِنْ أَخْبَرَ - مَقَامَ الْحُجَّةِ، فَكَمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِي إِخْبَارِهِ غَيْرَهُ بِرُؤْيَتِهِ الْهِلَالَ، بَيْنَ إِخْبَارِهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ وَتَرْكِهِ إِخْبَارَهُ، فَكَذَلِكَ الْمُخْبَرُ خَبَرَهُ، مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِهِ خَبَرَهُ وَتَرْكِهِ قَبُولَهُ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ أُبْلِغَ الشَّرِيعَةَ وَأُودِعَهَا تَرْكُ إِبْلَاغِهَا وَكِتْمَانُهَا، فَكَذَلِكَ الَّذِي أَبْلَغَهُ ذَلِكَ الْمُودَعُ، غَيْرُ مُرَخَّصٍ لَهُ فِي تَرْكِ قَبُولِهَا، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً ⦗٧٧١⦘ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ تَنْتَهِي إِلَيْهِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي أَوْدَعَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ، لَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَنْهَى إِلَيْهِ ذَلِكَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فِي مَعْنَى الْوَاحِدِ، بِأَنَّهُمْ لَا يَقْطَعُونَ عُذْرَ مَنْ أَبْلَغُوهُ الشَّرِيعَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَةً يَقْطَعُ خَبَرُهُمْ عُذْرَ مَنْ بَلَغَهُ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَبْلَغَهُ ذَلِكَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً بِمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَقْطَعُونَ عُذْرَ مَنْ أَبْلَغُوهُ الشَّرِيعَةَ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ صَادِقٌ، فَغَيْرُ لَازِمِهِ الْعَمَلُ، وَلَا الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَدْلٌ صَادِقٌ، فَإِنَّمَا يُوجِبُ خَبَرُهُ الَّذِي أَبْلَغَهُ مَنْ أُبْلِغَ ذَلِكَ، الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِيمَا أَدَّى مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي كَانَ أُودِعَهَا وَأُمِرَ بِإِبْلَاغِهَا مَقَامَ الْحُجَّةِ الَّتِي أَوْدَعَهَا ذَلِكَ، وَأَمَرَهُ بِإِبْلَاغِهَا، لِأَنَّ مُودِعَ ذَلِكَ قَدْ قُطِعَ عُذْرُهُ بِلِقَاءِ الْحُجَّةِ، وَسَمَاعِهِ الشَّرِيعَةَ مِنْهُ شِفَاهًا، وَالَّذِي أَبْلَغَهُ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِإِبْلَاغِهِ إِيَّاهُ، لَمْ يَقْطَعْ عُذْرَهُ مَجِيءُ الْمُخْبِرُ بِهِ عَنِ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، عَلَى التَّصْدِيقِ لَهُ، فَهُوَ نَظِيرُ الَّذِي أَخْبَرَهُ صَادِقٌ عَنْ رُؤْيَتِهِ الْهِلَالَ، فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ فَرْضِ الْعَمَلِ بِخَبَرِهِ كَمَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الصَّادِقِ الْمُخْبِرِ عَنِ الْحُجَّةِ بِشَرِيعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا سُئِلَ الْبُرْهَانَ عَنِ الْفَرَقِ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ، أَوْ نَظِيرٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute