للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «يَحْمِينَ» ، يَمْنَعْنَ. يُقَالُ مِنْهُ: حَمَى الْقَوْمَ فُلَانٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَهُوَ يَحْمِيهِمْ حِمَايَةً، وَمِنْ: حَمَى الْأَرْضَ حِمًى، مَقْصُورٌ، وَرَجُلٌ ذُو حَمِيَّةٍ مُنْكَرَةٍ، إِذَا كَانَ ذَا غَضَبٍ وَأَنَفَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: حَمَيْتُ الِمَرِيضَ الطَّعَامَ، إِذَا مَنَعْتُهُ إِيَّاهُ. وَأَمَّا الْإِحْمَاءُ، فَإِنَّهُ أَنْ يَجْعَلَ الشَّيْءَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ، لِامْتِنَاعِهِ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الصِّفَةِ أَنْ يُقْرَبَ، وَذَلِكَ كَالْحَدِيدَةِ تَدْخُلُ النَّارَ، وَتُحْمَى حَتَّى تَصِيرَ لَا يُمْكِنُ مَنْ أَرَادَهَا أَنْ يَمَسَّهَا، أَوِ الْبُقْعَةُ يَجْعَلُ فِيهَا مَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا بِسَبَبِ مَا جَعَلَ فِيهَا، يُقَالُ مِنْهُ: أَحْمَيْتُ الْحَدِيدَةَ فِي النَّارِ، فَأَنَا أُحْمِيهَا إِحْمَاءً. وَأَمَّا حُمَيَّا الْكَأْسِ، فَإِنَّهُ سَوْرَتُهَا يُقَالُ مِنْهُ: سَارَتْ فِيهِ حُمَيَّا الْكَأْسِ، إِذَا سَارَتْ فِيهِ سَوْرَتَهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَنْ أَعْرَاضِ الْمُؤْمِنِينَ» ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْأَعْرَاضِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْأَحْسَابَ وَمَوَاضِعَ الْمَدْحِ مِنْهُمْ، وَاحِدُهَا عِرْضٌ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، يُقَالُ: فُلَانٌ نَقِيُّ الْعِرْضِ، يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ بَرِئٌ مِنْ أَنْ يُشْتَمَ، أَوْ يُعَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:

[البحر الطويل]

هَنِيئًا مَرِيئًا، غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ ... لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ طَيِّبُ الْعِرْضِ، وَمُنْتِنُ الْعِرْضِ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ أَوْ مُنْتِنُهَا. وَالْأَعْرَاضُ فِي غَيْرِ هَذَا الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ، وَاحِدُهَا عَرْضٌ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، يُقَالُ: مَا هُمْ إِلَّا عَرْضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:

[البحر الرجز]

إِنَّا إِذَا قُدْنَا لِقَوْمٍ عَرْضَا ... لَمْ نُبْقِ مِنْ بَغْيِ الْأَعَادِي عَضَّا

وَالْعَرْضُ أَيْضًا، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، الْعَرْضُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّوَلِ. وَالْعَرْضُ أَيْضًا، مَصْدَرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَرَضْتُ الْعُودَ عَلَى الْإِنَاءِ عَرْضًا، وَعَرَضْتُ السَّيْفَ عَلَى الْفَخِذِ عَرْضًا، وَعَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ عَرْضًا، إِذَا سُمْتَهَا أَنْ تَشْرَبَ. وَالْعَرْضُ أَيْضًا، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْدًا، يَقُولُ الرَّجُلُ لِآخَرَ: اقْبَلْ مِنًى عَرْضًا، فَيُعْطِيهِ مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً مَكَانَ حَقِّهِ. وَأَمَّا الْعَرَضُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ، فَهُوَ مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ بَلَاءٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، كَالْمَرَضِ أَوِ الْكَسْرِ. وَالْعَرَضُ أَيْضًا، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ، حُطَامُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، يُقَالُ: إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَأَمَّا الْعُرْضُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُّكُونِ الرَّاءِ، فَنَاحِيَةُ الشَّيْءِ يُقَالُ: اضْرِبْ بِهَذَا عُرْضَ الْحَائِطِ، يَعْنِي بِهِ نَاحِيَةَ الْحَائِطِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّرِيدِ: اسْتَنْشَدَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِئَةَ قَافِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: مِائَةَ قَافِيَةٍ، مِائَةَ بَيْتِ شِعْرٍ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَقَافِيَةُ الْبَيْتِ مُؤَخَّرُهُ وَمُنْقَطَعُهُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِقَفَا الْإِنْسَانِ: قَفًا؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطَعُ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

[البحر الطويل]

فَمَنْ لِلْقَوَافِي شَانَهَا مَنْ يَحُوكُهَا ... إِذَا مَا ثَوَى كَعْبٌ وَفَوَّزَ جَرْوَلُ

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَفَوْتُ فُلَانًا، إِذَا اتَّبَعَ أَثَرَهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَّبِعُ أَثَرَهُ لِيَكُونَ وَرَاءَهُ لَا أَمَامَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: مَنْدُوحَةٌ مُتَّسَعًا، يُقَالُ مِنْهُ: انْتَدَحَ فُلَانٌ كَذَا يَنْتَدِحُ بِهِ انْتِدَاحًا إِذَا اتَّسَعَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

[البحر الكامل]

أَلَا إِنَّ جِيرَانِي الْعَشِيَّةَ رَائِحُ ... دَعَتْهُمْ دَوَاعٍ مِنْ هَوًى وَمَنَادِحُ

وَأَمَّا قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِمِقْوَلِي مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَبُصْرَى، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: بِمِقْوَلِي بِلِسَانِي. وَمِنْ أَسْمَائِهِ: اللَّقْلُقُ، وَالْمِسْحَلُ، وَالْمِذْوَدُ، وَمِنَ الْمِقْوَلِ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:

مَا كُنْتُ مِنْ تِلْكَ الرِّجَالِ الْخُذَّلِ ... ذِي رَأْيِهِمْ وَالْعَاجِزِ الْمُخَسَّلِ

عَنْ هَيْجِ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ الْمَرْحَلِ ... وَجَعْلِ نَفْسِي مَعَهُ وَمِقْوَلِي

وَمِنَ الْمِذْوَدِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:

[البحر الكامل]

سَيَأْتِيكُمُ مِنِّي وَإِنْ كُنْتُ نَائِيًا ... دُخَانُ الْعَلَنْدَى دُونَ بَيْتِيَ مِذْوَدُ

وَمِنَ الْمِسْحَلِ قَوْلُ الْآخَرِ:

فَإِنَّ عِنْدِي إِنْ رَكِبْتُ مِسْحَلِي ... سَمَّ ذَرَارِيحَ رِطَابٍ وَخَشِي

وَمِنَ اللَّقْلُقِ قَوْلُهُمْ: مَنْ وُقِيَ شَرَّ لَقْلُقِهِ وَقَبْقَبِهِ وَذَبْذَبِهِ فَقَدْ وُقِيَ، يَعْنِي بِاللَّقْلُقِ: اللِّسَانَ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقَةٍ قَدْ شَنَقَهَا بِزِمَامِهَا، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: قَدْ شَنَقَهَا بِزِمَامِهَا، قَدْ مَدَّهَا إِلَى مَا يَلِي الرَّحْلِ، كَمَا تُكْبَحُ الدَّابَّةُ بِاللِّجَامِ. وَفِيهِ لُغَتَانِ: شَنَقْتُهَا أَشْنِقُهَا شَنْقًا، وَأَشْنَقْتُهَا أُشْنِقُهَا إِشْنَاقًا، وَالشِّنَاقُ نَفْسُهُ: هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ السَّيْرُ الَّذِي تُعَلَّقَ بِهِ الْقِرْبَةُ عَلَى الْوَتَدِ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَحَلَّ شِنَاقَ الْقِرْبَةِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ الْحُطَيْئَةِ: فَاسْتَأْدَى عَلَيْهِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ يَعْنِي اسْتَعْدَاهُ عَلَيْهِ، يُقَالُ: اسْتَعْدَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ الْأَمِيرَ، وَاسْتَأْدَاهُ عَلَيْهِ، إِذَا اسْتَعَانَهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ: هُوَ مَأْكَلَةُ عِيَالِي، وَنَمْلَةٌ عَلَى لِسَانِي فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالنَّمْلَةِ: الدَّاءَ، وَأَصْلُهَا: قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي جَنْبِ الرَّجُلِ، يُقَالُ مِنْهُ: بِفُلَانٍ نَمْلَةٌ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِهِ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ لِلشَّفَّاءِ: «عَلِّمِي حَفْصَةَ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ» ، يَعْنِي رُقْيَةَ هَذِهِ الْقُرُوحِ. وَأَمَّا النُّمْلَةُ، بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، فَإِنَّهَا النَّمِيمَةُ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: رَجُلٌ نَمِلٌ إِذَا كَانَ نَمَّامًا، وَمِثْلُهُ الْقَتَّاتُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِلنَّابِغَةِ: أَمَّا عِفْوَةُ مَالِنَا، فَإِنَّ بَنِي أَسَدٍ تَشْغَلُهَا عَنْكَ وَتَيْمًا، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِعِفْوَةِ الْمَالِ: الْفَاضِلَ عَنِ النِّصَابِ وَالزَّائِدَ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] ، يُقَالُ مِنْهُ: عَفَا مَالُ فُلَانٍ، إِذَا كَثُرَ، وَعَفَا شَعْرُهُ، إِذَا وَفُرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: ٩٥] ، يَعْنِي: كَثُرُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>