للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ شَهْوَةُ النَّفْسِ لِمَا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ رُكُوبِ فَاحِشَةٍ مِنِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ يُصْبِحُ صَائِمًا صَوْمًا تَطَوُّعًا , ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا يَشْتَهِيهِ فَيُفْطِرُ مِنْ أَجْلِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي يُضْمِرُهُ صَاحِبُهُ وَيُصِرُّ عَلَيْهِ , فَإِنَّمَا هُوَ الْإِصْرَارُ , وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا أَنَّهُ شَهْوَةُ النَّفْسِ الْبَاطِنَةُ لِمَا حَلَّ وَحَرُمَ , وَإِنَّمَا قَالَ شَدَّادٌ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ , مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّ فِي الرِّيَاءَ مَا قَدْ بَيَّنْتُ قَبْلُ , وَأَنَّ الشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ إِذَا أَفْرَطَتْ حَمَلَتْ صَاحِبَهَا عَلَى رُكُوبِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ رُكُوبُهُ مِنَ الزِّنَا , وَشُرْبِ الْخَمْرِ , وَالسُّكْرِ , وَالسَّرَقِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحَارِمِ. وَإِنَّمَا خَافَ شَدَّادٌ مِنَ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ , مَا يَحْدُثُ عَنِ الشَّهْوَةِ مِنْ رُكُوبِ الْأُمُورِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مِنَ الشَّهْوَةِ مَا إِذَا لَمْ يَرْكَبْ صَاحِبُهَا مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ مِنَ الْمَحَارِمِ , وَلَمْ تَتَعَدَّ إِلَى مَا حُظِرَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَآثِمِ , فَغَيْرُ ضَائِرَةٍ , بَلْ إِلَى أَنْ تَكُونَ لِصَاحِبِهَا إِذَا تَرَكَ التَّقَدُّمَ عَلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَحَارِمِ حِذَارَ الْعِقَابِ عَلَيْهَا , إِلَى رِضَى اللَّهِ مُقَرِّبَةً أَقْرَبَ مِنْهَا إِلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ مِنَ اللَّهِ مُبْعِدَةً , لِأَنَّ إِمَاتَتَهَا بِتَحْذِيرِ النَّفْسِ عِقَابَ اللَّهِ , وَخَوْفِ وَعِيدِهِ حَتَّى يَقْمَعَهَا أَوْ يَرُدُّهَا عَنْ بَاعِثِ هَوَاهَا , وَمَا اهْتَاجَ فِيهَا إِلَى تَقْوِيمِهَا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الَّذِي أَمَرَهَا بِهِ , هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ الَّذِي لَا جِهَادَ أَعْظَمَ مِنْهُ , وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَيْسَ عَدُوُّكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>