للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٢٧ - حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ قَوْمَ مُوسَى قَالُوا: يَا مُوسَى، سَلْ لَنَا رَبَّكَ فَلْيُخْبِرْنَا بِآيَةِ غَضَبِهِ عَلَيْنَا وَبِآيَةِ رِضَاهُ عَنَّا , وَأَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا مُوسَى، أَخْبِرْهُمْ أَنَّ آيَةَ رِضَايَ ⦗٩٣١⦘ عَنْهُمْ، إِذَا رَأَوْنِي اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ فِي إِبَّانِهِ وَفِي زَمَانِهِ، وَأَنَّ آيَةَ غَضَبِي عَلَيْهِمْ، إِذَا رَأَوْنِي اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمْ شِرَارَهُمْ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ فِي غَيْرِ إِبَّانِهِ وَفِي غَيْرِ زَمَانِهِ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْتَ عَنْ عُمَرَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتَ، مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ وَأُولَاهُمْ بِعَقْدِ الْخِلَافَةِ أَفْضَلُهُمْ، وَأَنْ لَا حَقَّ لِلْمَفْضُولِ فِيهَا عَلَى الْفَاضِلِ، وَقَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ يَشُكُّونَ أَنَّ مِمَّنْ فِي السِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ فِي الشُّورَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَدْخَلَ الْمَفْضُولَ فِيهِمْ، وَفِي إِدْخَالِهِ إِيَّاهُ مَعَهُمُ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، وَيَجُوزُ لَهُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ. قِيلَ: إِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، وَغَيْرِ الَّذِي تَوَهَّمْتَ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ فِي الشُّورَى لِلْمُشَاوَرَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي النَّظَرِ لِلْأُمَّةِ، إِذْ كَانَ وَاثِقًا عِنْدَ نَفْسِهِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَأْلُونَ لِلْمُسْلِمِينَ نُصْحًا فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْهُمْ لَا يُتْرَكُ وَالتَّقَدُّمَ عَلَى الْفَاضِلِ، وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ طَلَبُ مَنْزِلَةٍ غَيْرُهُ ⦗٩٣٢⦘ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ عَالِمًا بِرَضِيَ الْأُمَّةِ بِمَنْ رَضِيَ بِهِ النَّفَرُ السِّتَّةُ الَّذِينَ جَعَلَ إِلَيْهِمُ الْأَمْرَ، وَبِقَنَاعَتِهَا بِمَنِ اخْتَارُوهُ لِأَمْرِهَا وَقَلَّدُوهُ سِيَاسَتَهَا، إِذْ كَانَ النَّاسُ لَهُمْ تَبَعًا، وَكَانُوا لِلنَّاسِ أَئِمَّةً وَقَادَةً، لَا أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ لِلْمَفْضُولِ مِنْهُمْ مَعَ الْفَاضِلِ حَقًّا فِي الْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ الْفَاضِلُ مِنْهُمْ وَالْمَفْضُولُ، وَالْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمُ الْأَمْرَ بَعْدَهُ وَفِيهِ أَيْضًا الدَّلَالَةُ عَلَى بُطُولِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهَا فِي أَعْيَانٍ وَأَشْخَاصٍ قَدْ بُيِّنَتْ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، فَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى التَّشَاوُرِ فِيمَنْ تُقَلِّدُهُ أَمْرَهَا وَتُوَلِّيهِ سِيَاسَتَهَا، لِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ أَهْلَهَا الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا فِي كُلِّ وَقَتٍّ وَزَمَانٍ بِأَعْيَانِهَا , وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا، لِيَجْتَهِدُوا فِي أَوْلَاهُمْ بِهَا فَيُقَلِّدُوهُ الْقِيَامَ بِهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، لَا مِنَ النَّفْرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الشُّورَى، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْقَفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَنَصَّهُ لِأُمَّتِهِ، وَجَعَلَ لَهُ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، كَانَ حَرِيًّا أَنْ يَقُولَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ التَّشَاوُرِ فِي أَمْرٍ قَدْ كُفِينَاهُ بِبَيَانِ اللَّهِ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَفِي تَسْلِيمِ جَمِيعِهِمْ لَهُ مَا فَعَلَ، وَرِضَاهُمْ بِمَا صَنَعَ وَتَرْكِهِمُ النَّكِيرَ عَلَيْهِ، أَبْيَنُ الْبَيَانِ وَأَوْضَحُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَخْصٍ بِعَيْنِهِ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنَّ الَّذِيَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْعَهْدِ مِنْهُ إِلَيْهِمْ كَانَ وَقْفًا عَلَى مَوْصُوفٍ بِصِفَاتٍ احْتَاجُوا إِلَى إِدْرَاكِهَا بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ، فَرَضُوا وَسَلَّمُوا لَهُ مَا فَعَلَ مِنْ رَدِّهِ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى النَّفَرِ الَّذِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ هُمْ أَهْلُ الْأَمَانَةِ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ، وَمَنْ لَا يُشَكُّ فِي نُصْحِهِ لِلْإِسْلَامِ وَأَسْبَابِهِ، وَأَنَّ مَا جُعِلَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْرِ إِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ إِلَّا بِصِفَتِهِ، لَا بِاسْمِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَنَسَبِهِ وَفِيهِ أَيْضًا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمَوْثُوقُ بِأَدْيَانِهِمْ وَنَصِيحَتِهِمِ الْإِسْلَامَ ⦗٩٣٣⦘ وَأَهْلَهُ، إِذَا عَقَدُوا عَقْدَ الْخِلَافَةِ لِبَعْضِ مَنْ هُوَ أَهْلُهَا عَنْ تُشَاوُرٍ مِنْهُمْ وَاجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَلُّ ذَلِكَ الْعِقْدِ، مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ عَقْدَهُمْ وَتَشَاوُرَهُمْ، إِذْ كَانَ الْعَاقِدُونَ قَدْ أَصَابُوا الْحَقَّ فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَفْرَدَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَمْرِ النَّفَرَ السِّتَّةَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ فِيمَا فَعَلُوا وَعَقَدُوا مِنْ عَقْدٍ الِاعْتِرَاضَ، وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ جَمِيعُهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ، لَكَانَ خَلِيقًا أَنْ يَقُولَ لَهُ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إِنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ الَّذِي خَصَصْتَ بِالْقِيَامِ بِهِ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ السِّتَّةَ، لِمَ يُخَصُّ بِهِ هَؤُلَاءِ دُونَ سَائِرِ الْأُمَّةِ؟ بَلِ الْجَمِيعُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ شُرَكَاءُ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ إِلْزَامُهُ جَمِيعَهُمْ لَهُ حَقًّا، وَإِلْزَامُهُ لِجَمِيعِهِمْ مِثْلَهُ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ، سَلَّمُوا وَانْقَادُوا، فَلَمْ يَعْتَرِضْ مِنْهُمْ فِيهِ مُتْعَرِّضٌ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ وَفِيهِ أَيْضًا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ بِالِاجْتِهَادِ مُسْتَنْبَطًا وَبِالنَّظَرِ مُدْرَكًا فَمَرَدُّهُ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِأُصُولِهِ، وَمَصْدُورٌ فِي اللَّازِمِ فِيهِ عَمَّا قَالُوا، أَوْ حَكَمُوا فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأُمَرَاءِ فِي اخْتِيَارِ أَوْلَى السِّتَّةِ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ إِلَيْهِمْ، وَأَفْرَدَهُمْ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الْأُمَّةِ غَيْرِهِمْ، وَأَلْزَمَ عَقْدَهُمْ مَنْ عَقَدُوا لَهُ مِنْ سِوَاهُمْ مِنَ الرَّعِيَّةِ، إِذْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ أَعْلَمَ الْأُمَّةِ بِمَا جُعِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْصَحَهُمْ لَهُمْ، وَأَعْرَفَهُمْ بِالْمَعَانِي الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْقَدَ عَقْدُ الْخِلَافَةِ لِمَنْ تُعْقَدُ لَهُ , فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ بِالِاجْتِهَادِ مُدْرَكًا وَبِالنَّظَرِ مُسْتَنْبَطًا، أَنْ يَكُونَ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ مَرْدُودًا، وَعَمَّا قَالُوا فِيهِ وَحَكَمُوا مَصْدُورًا، دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَّةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ، مِنْ أَهْلِ الْغَبَاءِ، وَلَا لِمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَلَا مَعْرِفَةَ رَأْيٍ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمُ التَّسْلِيمُ لِمَا رَأَوْا وَقَالُوا، وَالِانْقِيَادُ لِمَا حَكَمُوا وَقَضَوْا، كَمَا أَلْزَمَ عُمَرُ عَقْدَ أَهْلِ الشُّورَى لِمَنْ عَقَدُوا سَائِرَ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ مَعَهُمْ فِي مَا أُلْزِمُوا وَقَضَوْا فِي ذَلِكَ مَقَالًا وَلَا نَظَرًا أَوْ رَأَيًا، بَلِ الْوَاجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُمْ وَالِانْقِيَادُ لِحُكْمِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>