١٣٧٠ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَيْلِ صَدَقَةٌ قَالَ شُعْبَةُ: وَجَدْتُهُ مَكْتُوبًا عِنْدِي " وَاعْتَلَّ الْقَائِلُونَ: لَا صَدَقَةَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَدَقَةَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» ، وَبِقَوْلِهِ: «قَدْ عَفَوْنَا لَكُمْ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» ⦗٩٥٧⦘ قَالُوا: وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا صَدَقَةَ فِيهِ، فَيَقُولَ قَائِلٌ: فَيهِ صَدَقَةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ، جَازَ لِآخَرَ أَنْ يَقُولَ فِيمَا أَوْجَبَ وَفَرَضَ فِيهِ الصَّدَقَةَ: لَا صَدَقَةَ فِيهِ، قَالُوا: وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ حَظَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ، وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] قَالُوا: وَفِي حَظْرِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِهِ وجُوبُ فَرْضِ مَا أَمَرَ، وَنَهَى عَلَيْهِمْ، وَلُزُومُ مَا أَلْزَمَهُمْ، وَسُقُوطُ مَا وَضَعَ عَنْهُمْ، وَالتَّسْلِيمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَأَمْرِهِ، وَالِاتِّبَاعُ لِحُكْمِهِ قَالُوا: وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» قَالُوا: فَلَا صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ، كَثُرَ ثَمَنُهُ أَوْ قَلَّ، كَمَا لَا صَدَقَةَ فِي دَارٍ يَشْتَرِيَهَا لِلسُّكْنَى، أَوْ لِلْإِجَارَةِ مَا كَانَ ثَمَنُهَا، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا قَالُوا: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أَخَذَا الصَّدَقَةَ مِنْ ذَلِكَ قُلْنَا لَهُ: إِنَّهُمَا أَخَذَا مَا أَخَذَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ سَبِيلِ الصَّدَقَةِ، بَلْ عَلَى أَنَّ أَهْلَهَا أَحَبُّوا أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ بَعْضَهَا لِأَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَفِي السُّبُلِ الَّتِي سَبِيلُ اللَّهِ فِيهَا الصَّدَقَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ، فَسَأَلُوا إِمَامَهُمْ قَبْضَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَصَرْفَهُ فِي السُّبُلِ الَّتِي جَعَلُوهُ فِيهَا، إِذْ كَانَ أَقْوَمَ بِذَلِكَ وَأَعْرَفَ بِوَجْهِهِ مِنْهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ⦗٩٥٨⦘ قَالُوا: وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَأَنَّهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبَضَ، قَالُوا: وَبَعْدُ، فَفِي النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ وَتَتَابُعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِهِمْ تَوْجِيهَ السُّعَاةِ وَالْعُمَّالِ عَلَى قَبْضِ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ مِنْ أَهْلِهَا، مَعَ تَرْكِهِمُ التَّوَانِيَ فِي تَوْجِيهِ الْعُمَّالِ وَالسُّعَاةِ عَلَى قَبْضِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَوْضَحُ الْبَيَانِ أَنَّ سَبِيلَ الْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ بِخِلَافِ سَبِيلِ الْمَوَاشِي الَّتِي فِيهَا الصَّدَقَةُ، وَأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ سَائِرِ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا صَدَقَةَ فِيهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَاعْتَلَّ مُوجِبُو الصَّدَقَةِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ نَقْلًا عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ فِيَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَمْوَالٌ يَتَّخِذُهَا أَهْلُهَا لِمَنَافِعِهِمْ، إِمَّا لِلنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ، وَإِمَّا لِلرِّسْلِ وَالْمَتَاعِ، قَالُوا: فَلَا مَعْنَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَفِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ مِثْلُهُ، مِنْ أَنَّهَا قَدْ تُتَّخَذُ لِلنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ وَالرَّسْلِ وَالْمَتَاعِ، فَتُشْرَبُ أَلْبَانُ الْخَيْلِ، وَتُرْكَبُ ظُهُورُهَا، وَيُطْلَبُ نِتَاجُهَا، وَيُسْتَخْدَمُ الرَّقِيقُ وَيُطْلَبُ نَسْلُهُ قَالُوا: فَذَلِكَ كُلُّهُ مُتَّفِقُ الْأَحْكَامِ بِاتِّفَاقِ مَعَانِيهِ، فِي أَنَّ مَا وَجَبَ فِي بَعْضِهِ وَجَبَ فِي جَمِيعِهِ، وَمَا بَطُلَ عَنْ بَعْضِهِ بَطُلَ عَنْ جَمِيعِهِ، إِذَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ عَلَى الْمَعَانِي. . . لَازِمَانِ قَالُوا: وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ يَقُولَ مَا قُلْنَا فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، وَيُوجِبَ فِيهِمَا ⦗٩٥٩⦘ مَا أَوْجَبْنَا مِنَ الصَّدَقَةِ، مَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ فِي الدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ، لِمُوَافَقَةِ ذَلِكَ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وَالْبُرَّ وَالشَّعِيرَ، فِي أَنَّهُ مَأْكُولٌ مَكِيلٌ يُدَّخَرُ يَابِسًا وَيُقْتَاتُ غِذَاءً، كَالَّذِي يُفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فَوَجَبَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَحْكَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ لِاتِّفَاقِ مَعَانِيهِ فِي مَا وَصَفْنَا قَالُوا: فَالْخَيْلُ لَيْسَتْ بِأَبْعَدَ شَبَهًا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مِنَ الدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ قَالُوا: فَمَنْ أَنْكَرَ مَا قُلْنَا فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، وَأَنْكَرَ تَسْوِيَتَنَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الصَّدَقَةِ، مَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ فِي الدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ فَلْيَأْتِنَا بِفَرْقٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الصَّدَقَةِ، وَأَنْكَرَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ قَالُوا: وَبَعْدُ، فَإِنَّ الْخَيْلَ وَالرَّقِيقَ قَدْ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا إِمَامَا هُدًى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ بِالنَّكِيرِ مِنْهُمْ مُعْتَرِضٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خِلَافًا لِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَضُوا بِذَلِكَ، وَلَا أَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، وَلَأَنْكَرُوهُ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ. قَالُوا: وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ هُوَ الْحَقُّ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، بَلْ رَضُوا بِهِ وَسَلَّمُوا لَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَضَى بِهِ فِعْلُ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ، وَهُوَ أَنْ لَا صَدَقَةَ فِي خَيْلٍ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَلَا رَقِيقٍ كَذَلِكَ، وَأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحُمُرِ، وَالْبِغَالِ الَّتِي قَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ وَارِثَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيهَا ⦗٩٦٠⦘. وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَأَبَى إِلَّا الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ، سُئِلَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُتَحَكِّمٍ تَحَكَّمَ تَحَكُّمَهُ، فَأَوْجَبَ الصَّدَقَةَ فِي الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ، وَأَنْكَرَ إِيجَابَهَا فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ , فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى إِنْكَارِ الصَّدَقَةِ فِي الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ، وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، قِيلَ لَهُ: فَرُدَّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْهُ، إِذْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُتَّفِقَةً مَعَانِيهِ، وَإِلَّا فَأْتِنَا بِفَرْقٍ يُوجِبُ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ أَحْكَامِ ذَلِكَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ , وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ أَخْذِ عُمَرَ مَا أَخَذَ مِنْ أَرْبَابِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فِي ذَلِكَ، وَإِعْلَامِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّ صَاحِبَيْهِ مَضَيَا قَبْلَهُ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِهِ وَإِعَادَتِهِ، فَإِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا وَبَيَّنَّا مِنَ الْقَوْلِ فِي الصَّدَقَةِ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ بِالَّذِي بِهِ اسْتَشْهَدْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ عَرْضًا مِنَ الْعُرُوضِ، فَبَيِّنٌ أَنَّ مِثْلَهُ كُلُّ عَرْضٍ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فِي أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيهِ بَالِغًا ثَمَنُهُ وَقِيمَتُهُ مَا بَلَغَ، سِوَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ، فَفَرَضَ فِيهِ الصَّدَقَةَ، وَسِوَى مَا كَانَ نَظِيرًا لِذَلِكَ وَمِثْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute