للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَحْجِ بِذَاكَ، فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى، وَمَعْنَاهُ: أَخْلِقْ بِهِ أَنْ يَكُونَ، وَأَحْرِ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ سُحْتٌ يَا قَبِيصَةُ، يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتًا» ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالسُّحْتِ: الْحَرَامَ الَّذِي يُهْلِكُ آكِلَهُ وَيَسْتَأْصِلُهُ هَلَاكًا، بِأَكْلِهِ إِيَّاهُ وَإِفْسَادِهِ دِينَهُ. وَأَصْلُ السُّحْتِ: كَلْبُ الْجُوعِ، يُقَالُ مِنْهُ: فُلَانٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ، إِذَا كَانَ أَكُولًا لَا يُلْفَى أَبَدًا إِلَّا جَائِعًا. وَإِنَّمَا قِيلَ لِآكِلِ الْحَرَامِ: هُوَ يَأْكُلُ السُّحْتَ؛ لِشَرَهِهِ إِلَى أَكْلِ ذَلِكَ، وَأَخْذِهِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، كَشَرَهِ الْمَسْحُوتِ الْمَعِدَةِ إِلَى أَكْلِ الطَّعَامِ، يُقَالُ مِنْهُ: سَحَتَهُ اللَّهُ، وَأَسْحَتَهُ، لُغَتَانِ مَحْكِيَّتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَيَسْحَتَكُمْ) وَ {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: ٦١] ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ بْنِ غَالِبٍ:

[البحر الطويل]

وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ ... مِنَ الْمَالِ إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ

يَعْنِي بْالْمُسْحَتِ: الَّذِي قَدِ اسْتُؤْصِلَ هَلَاكًا؛ بِإِفْسَادِهِ إِيَّاهُ، وَمَحْكِيٌّ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ لِلْحَالِقِ إِذَا حَلَقَ: اسْحَتْ شَعْرَهُ، تَعْنِي بِهِ: اسْتَأْصِلْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>