للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

: «فَلْيَجْزِ بِهِ» : فَلْيُكَافِ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّاسِ: جَزَى اللَّهُ فُلَانًا عَنْ فُلَانٍ خَيْرًا، يُعْنَى بِهِ: أَثَابَهُ اللَّهُ وَكَافَاهُ عَنْهُ، عَلَى فِعْلِهِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ شُحٌّ هَالِعٌ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ» ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «هَالِعٌ» : جَازِعٌ، يَجْزَعُ صَاحِبُهُ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي الْحُقُوقِ مَخَافَةَ الْفَاقَةِ وَالْإِقْتَارِ. وَوَصَفَ بِالْهَلَعِ الشُّحَّ - وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الشَّحِيحِ - كَمَا قِيلَ: لَيْلٌ نَائِمٌ، وَنَهَارٌ صَائِمٌ، يُرَادُ بِهِ: يُنَامُ فِي هَذَا، وَيُصَامُ فِي هَذَا، فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: شُحٌّ هَالِعٌ، أَنَّهُ يَهْلَعُ بِهِ صَاحِبُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: ١٩] ، قِيلَ: ضَجُورًا، وَقِيلَ: جَزُوعًا. وَالْهَلَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ: أَشَدُّ الْجَزَعِ وَأَقْبَحُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: هَلِعَ فُلَانٌ يَهْلَعُ هَلَعًا وَهُلُوعًا. وَأَمَّا الْجُبْنُ الْخَالِعُ: فَهُوَ الْجُبْنُ الَّذِي يَخْلَعَ فُؤَادَ صَاحِبِهِ مِنَ الْخَوْفِ وَالرُّعْبِ عِنْدَ لِقَاءِ النَّاسِ. وَإِنَّمَا وَصَفَهُمَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمَا شَرُّ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ خَلَائِقِهِ؛ لِأَنَّ الشُّحَّ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى كُلِّ عَظِيمَةٍ، مِنْ مَنْعِ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَوْجَبَهَا فِي مَالِهِ كَالزَّكَاةِ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ مَا يَلْزَمُهُ لِلنَّاسِ مِنَ الدُّيُونِ، وَلِأَهْلِهِ مِنَ النَّفَقَاتِ، وَيَدْعُوهُ إِلَى السَّرَقِ وَغَصْبِ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ، وَخِيَانَتِهِمْ فِيمَا اتَّمَنُوهُ عَلَيْهِ، وَأَشْبَاهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>