٣١٠ - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبَّاسٍ الشَّبَامِيِّ، عَمَّنْ ذِكْرُهُ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّهُ كَرِهَ الضِّبَابَ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَحْمَ الضَّبِّ غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى آكِلِهِ أَكْلُهُ؛ إِذْ لَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْلِهِ آكِلَهُ، عَلَى مَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَأْتِنَا بِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهُ عَنْهُ خَبَرٌ يَصِحُّ سَنَدُهُ. وَنَكْرَهُ لَهُ أَكْلَهُ تَقَذُّرًا، وَنَنْهَاهُ عَنْهُ تَنَزُّهًا، كَمَا كَرِهَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ تَقَذُّرًا وَعَافَهُ، فَنَهَى عَنْهُ تَنَزُّهًا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ مِنْهُ لَهُ ⦗١٨٩⦘. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ وَقَدْ غَلَتِ الْقُدُورُ بِلُحُومِهَا بِكَفْئِهَا؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ فِي كَفْئِهَا - إِنْ كَانَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ لُحُومِ الضِّبَابِ كَانَ حَلَالًا - إِفْسَادَ طَعَامٍ حَلَالٍ أَكْلُهُ، وَفِي إِفْسَادِ ذَلِكَ - وَهُوَ حَلَالٌ - تَضْيِيعُ مَالٍ، وَفِي تَضْيِيعِ الْمَرْءِ مَالًا مِنْ مَالِهِ - وَلَا سِيَّمَا الطَّعَامُ الَّذِي هُوَ غِذَاءُ الْأَبْدَانِ وَأَقْوَاتُ الْأَجْسَادِ - الدُّخُولُ فِي مَعَانِي أَهْلِ السَّفَهِ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْحَجْرَ، وَالتَّقَدُّمُ عَلَى مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ. قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ طَعَامًا بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّفْسِ لَهُ وَتَقَذُّرِهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ عَلَى آكِلِهِ أَكْلُهُ - لَمْ يَسْتَحِقَّ الرَّامِي بِهِ - إِذَا رَمَى بِهِ - وَلَا مُهْرِيقُ قِدْرِهِ - إِذَا أَهْرَاقَهَا - اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ، وَمُفْسِدِ طَعَامٍ، كَمَا غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُهْرِيقُ قِدْرِ طَبِيخٍ قَدْ أَرَاحَ وَنَمِسَ - حَتَّى صَارَ مِنْ تَغَيُّرِ طَعْمِهِ وَرَائِحَتِهِ إِلَى حَالٍ تَكْرَهُهُ النَّفْسُ، وَتَعَافُ أَنْ تَطْعَمَهُ - اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ، وَلَا مُفْسِدِ طَعَامٍ؛ بِإِرَاقَتِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا أَكْلُهُ، غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ. فَكَذَلِكَ إِرَاقَةُ مُرِيقِ الْقِدْرِ الْغَالِيَةِ بِلُحُومِ الضِّبَابِ - إِذَا أَرَاقَهَا - غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ، وَلَا مُفْسِدِ طَعَامٍ؛ إِذَا كَانَتْ إِرَاقَتُهُ ذَلِكَ تَقَذُّرًا وَتَنَزُّهًا عَمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَذَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَرَاقَ مَا هُوَ غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى طَاعِمٍ أَنْ يَطْعَمَهُ وَمَنْ أَنْكَرَ مَا قُلْنَا فِي لُحُومِ الضِّبَابِ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي وَصَفْنَا، سُئِلَ عَنِ الْأَطْعِمَةِ النَّمِسَةِ، وَالْقُدُورِ الْمُرِيحَةِ، وَالْأَطْبِخَةِ الَّتِي قَدْ مَاتَتْ فِيهَا الْخَنَافِسُ وَالْجِعْلَانُ وَبَنَاتُ وَرْدَانَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ ⦗١٩٠⦘، فَتَغَيَّرَتْ رَوَائِحُهَا بِمَوْتِ مَا مَاتَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى تَقَذَّرَتِ النُّفُوسُ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَعَافَتْهُ، فَضْلًا عَنْ أَكْلِهَا، أَيَأْثَمُ مُرِيقُهَا بِإِرَاقَتِهَا، وَيَسْتَحِقُّ طَارِحُهَا بِطَرْحِهَا اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ، وَمُفْسِدِ طَعَامٍ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، خَرَجَ مِنْ مَعْقُولِ أَهْلِ الْعَقْلِ، وَخَالَفَ مَا عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ، مِنْ إِجَازَتِهِمْ إِلْقَاءَ ذَلِكَ وَطَرْحَهُ وَتَرْكَ أَكْلِهِ. وَإِنْ قَالَ: بَلْ غَيْرُ حَرِجٍ الرَّامِي بِهِ، وَلَا آثِمٌ مُلْقِيهِ وَمُرِيقُهُ. قِيلَ لَهُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ مُرِيقِ قِدْرِ طَبِيخِ لُحُومِ الضِّبَابِ الَّتِي أَرَاقَهَا مَنْ أَرَاقَهَا تَقَذُّرًا وَتَنَزُّهًا، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ حَرَامٍ أَكْلُهُ، وَلَا حَرِجٍ طَاعِمُهُ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ، بِأَنَّ مُرِيقَ مَا وَصَفْنَا - مِنَ الْقُدُورِ الَّتِي قَدْ مَاتَتْ فِيهَا الدَّوَابُّ الَّتِي ذَكَرْنَا - أَرَاقَ مَا عِلَّتُهُ إِرَاقَتُهُ فَرْضًا؛ لِتَنَجُّسِهِ بِمَوْتِ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ مُرِيقَ الْقِدْرِ الْمَطْبُوخِ فِيهَا لُحُومُ الضِّبَابِ، أَرَاقَ مَا هُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ عِنْدَكُمْ غَيْرُ حَرَامٍ، خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ وَكُلِّفَ تَثْبِيتَ مَا مَاتَ فِيهِ مِنَ الدَّوَابِّ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ. وَفِي عِزَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، صِحَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَطْعُومِ مَا لِصَاحِبِهِ إِلْقَاؤُهُ وَطَرْحُهُ، وَتَرْكُ أَكْلِهِ تَقَذُّرًا وَتَنَزُّهًا، وَهُوَ بِأَكْلِهِ - لَوْ أَكَلَهُ - غَيْرُ آثِمٍ، وَلَا طَاعِمٍ حَرَامًا. وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ؛ صَحَّ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ لُحُومَ الضِّبَابِ الَّتِي وَصَفْنَا، وَثَبَتَتْ صِحَّةُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ آكِلَهَا إِنْ أَكَلَ، لَمْ يَأْكُلْ بِأَكْلِهَا حَرَامًا، وَإِنْ أَلْقَاهَا وَنَبَذَهَا، لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مُضِيعًا مَالًا، لَا مُفْسِدًا طَعَامًا، وَلَا لَازِمُهُ بِذَلِكَ لَوْمٌ وَلَا إِثْمٌ فِيهِ. وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ صِحَّةُ مَعْنَى الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لُحُومِ الضِّبَابِ كُلِّهَا، وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ أَمْرِهِ مَنْ أَمَرَ بِأَكْلِ ذَلِكَ، إِعْلَامًا مِنْهُ أُمَّتَهُ أَنَّهُ حَلَالٌ غَيْرُ حَرَامٍ. وَفِي تَرْكِهِ أَكْلَهُ وَنَهْيِهِ مَنْ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ، إِعْلَامُهُمْ كَرَاهَتَهُ أَكْلَهُ ⦗١٩١⦘ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ» إِخْبَارٌ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْدُبُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ فِي مَطَاعِمِهِمِ اسْتِعْمَالَ الطَّيِّبِ مِنْ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ مِنَ الثَّمَانِيَةِ الْأَزْوَاجِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَحْلِيلَهَا فِي كِتَابِهِ، وَسَائِرِ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي طَيَّبَهَا فِي تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُحَرِّمُهُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمَ الْخَبَائِثِ الَّتِي أَبَانَ تَحْرِيمَهَا فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ حَرِجٍ طَاعِمُهُ وَلَا آثِمٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا بِأَكْلِهِ عَلَى أَكْلِ مَا يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ، كَمَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى أَكْلِ مَا قَدْ نَمِسَ مِنَ الْقُدُورِ وَأَنْتَنَ مِنْ مَوْتِ الْخَنَافِسِ وَبَنَاتِ الْوَرْدَانِ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ فِيهِ، مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَا يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ، وَيُخْتَارُ لَهُ تَرْكُهُ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute