للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنْ قُلْنَا مَا قَالَهُ الَّذِينَ نَسَبُوا رُوَاةَ الْخَبَرِ إِلَى الْخَطَأِ فِيمَا نَقَلُوهُ؛ كُنَّا قَدْ تَقَدَّمْنَا عَلَى مَا لَا يَقِينَ عِنْدَنَا بِهِ. وَلَكِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكَنَاتِهَا» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْكَافِ، فَتَكُونُ الْمَكَنَاتُ حِينَئِذٍ جَمْعُ مَكْنَةٍ، وَالْمَكْنَةُ: اسْمٌ مِنَ التَّمَكُّنِ، فَعْلَةٌ مِنْهُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَكَنَ فُلَانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا: بِمَعْنَى تَمَكَّنَ فِيهِ، فَهُوَ يَمْكُنُ فِيهِ مَكْنًا، وَمَكْنَةً، ثُمَّ تُجْمَعُ الْمَكْنَةُ مَكَنَاتٍ، كَمَا يُقَالُ: قَعَدَ فُلَانٌ قَعْدَةً وَقَعَدَاتٍ، وَجَلَسَ جَلْسَةً وَجَلَسَاتٍ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ الَّتِي تَزْجُرُونَهَا فِي مَوَاضِعِهَا الْمُتَمَكِّنَةِ فِيهَا، الَّتِي هِيَ بِهَا مُسْتَقِرَّةٌ، وَامْضُوا لِأُمُورِكَمْ، فَإِنَّ زَجْرَكُمْ إِيَّاهَا غَيْرُ مُجْدٍ عَلَيْكُمْ نَفْعًا، وَلَا دَافِعٍ عَنْكُمْ ضَرًّا. وَأَمَّا قَوْلُ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضِبَابٍ قَدِ احْتَرَشَهَا، أَوِ اخْتَرَشَهَا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا هُوَ: قَدِ احْتَرَشَهَا، وَلَا مَعْنَى لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَ مَعْنَى احْتِرَاشِ الضِّبَابِ، فَجَعَلَ الْخَبَرَ بِالشَّكِّ عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَمَعْنَى احْتِرَاشِ الضِّبَابِ: تَحْرِيكُ طَالِبِ اصْطِيَادِهَا فِي جُحْرِهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ عُودًا، أَوْ وَتِدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِيُخْرِجَ الضَّبُّ ذَنَبَهُ؛ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ الَّتِي أَحَسَّهَا فِي جُحْرِهِ حَرَكَةُ حَيَّةٍ أَوْ أَفْعَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّةَ أَوِ الْأَفْعَى رُبَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ جُحْرَهُ، فَإِذَا سَمِعَ الضَّبُّ حِسَّ دُخُولِهِ، أَخْرَجَ ذَنَبَهُ فَضَرَبَهَا بِهِ، فَقَطَعَهَا ثِنْتَيْنِ، فَإِذَا حَرَّكَ طَالِبُ اصْطِيَادِهِ وَمُحْتَرِشُهُ فِي جُحْرِهِ مَا وَصَفْتُ، وَاحْتَرَشَ بِذَلِكَ الضَّبُّ؛ أَخْرَجَ ذَنَبَهُ وَهُوَ يَحْسِبُهُ حَيَّةً أَوْ أَفْعَى؛

<<  <  ج: ص:  >  >>