٦٧٧ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنِي الْحَشْرَجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَشْرَجِ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَتَيْنَا عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو الْمُزَنِيَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي دَارِهِ الَّتِي فِي الْجَبَّانِ فِي بَنِي مَازِنٍ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: «يَا غُلَامُ، احْلِبِ النَّاقَةَ» فَحَلَبَ وَجَاءَ بِالْعُسِّ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: «اشْرَبْ» ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي يَلِيهِ: «اشْرَبْ» ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: «تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ» ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي يَلِيهِ: «اشْرَبْ» ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَتَّخِذُوا هَذَا الْيَوْمَ بِمَنْزِلَةِ رَمَضَانَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ وَاجِبًا قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ نَسَخَ هَذَا الْيَوْمَ، فَصَارَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَلَا بَأْسَ» ⦗٣٩٧⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَانَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ، كَالَّذِي تَتَابَعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ قَبْلَ وجُوبِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ صَوْمِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِصَوْمِهِ الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ يَأْمُرَهُمْ بِهِ قَبْلَ وجُوبِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَنْدُبُهُمْ إِلَى صَوْمِهِ، بِتَعْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ مَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، فَمَنْ صَامَهُ طَالِبًا بِهِ الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُتَحَرِّيًا بِصَوْمِهِ إِدْرَاكَ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى صَائِمِيهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّوَابِ، رَجَوْنَا لَهُ إِدْرَاكَ مَا أَمَّلَ وَرَجَا بِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَهُ، وَآثَرَ الْإِفْطَارَ فِيهِ عَلَى صَوْمِهِ؛ إِيثَارًا مِنْهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنَ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ، رَجَوْنَا لَهُ أَيْضًا بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ مَا أَمَّلَ بِإِفْطَارِهِ وَإِيثَارِ غَيْرِهِ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَفْطَرَهُ لِقَوْلِي ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ تَارِكُ فَضْلٍ، لَا لومَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ كَرَاهَةِ مَنْ كَرِهَ صَوْمَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ؟ قِيلَ: وَجْهُ كَرَاهَتِهِمْ ذَلِكَ نَظِيرُ كَرَاهَةِ مَنْ كَرِهَ صَوْمَ رَجَبٍ؛ إِذْ كَانَ شَهْرًا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُعَظِّمُهُ، فَكَرِهَ مَنْ كَرِهَ صَوْمَهُ أَنْ يُعَظِّمَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِصَوْمِهِ تَعْظِيمَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِيَّاهُ فِي الشِّرْكِ، فَأَرَادَ بِإِفْطَارِهِ وَضْعَ مَنَارِ الْكُفْرِ، وَهَدْمَ أَعْلَامِ الشِّرْكِ. وَكَذَلِكَ عَاشُورَاءُ، كَانَ - كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ قَبْلُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ - يَوْمًا يَصُومُهُ أَهْلُ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَرَادَ بِإِفْطَارِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ - مَنْ أَفْطَرَهُ وَكَرِهَ صَوْمَهُ - إِبْطَالَ مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَرَعَ لِعِبَادِهِ مِنْ فَرْضِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ⦗٣٩٨⦘، مِنْ سُنَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي صَوْمِهِ، وَمِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ مِنْهُ صَوْمَهُ عَلَى مَنْ صَامَهُ، وَلَا مُوئِسِهِ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى صَائِمِيهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَامَهُ مُبْتَغِيًا بِصَوْمِهِ إِيَّاهُ اسْتِنْجَازَ وَعْدِهِ ذَلِكَ، لَا مَرِيدًا بِهِ إِحْيَاءَ سُنَّةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي صَوْمِ رَجَبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute