٩٠ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا، قَالَ: «مَسْأَلَةُ الْغَنِيِّ كَدْحٌ فِي وَجْهِهِ» ⦗٥٣⦘ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَوَامُّ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَاعْتَلُّوا لِإِنْكَارِهِمْ تَحْدِيدَ قَدْرِ الْغِنَى بِحَدٍّ مِنَ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ بِأَنْ قَالُوا: أَحْوَالُ النَّاسِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ مُتَفَاوِتَةٌ، وأَسْبَابُهُمْ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُمْ ذُو الْعِيَالِ وَالْمُؤَنِ الْكَثِيرَةِ الَّذِي لَا يُغْنِيهِ إِلَّا الْعَظِيمُ مِنَ الْمَالِ؛ لِاسْتِغْرَاقِ نَفَقَتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ الْيَسِيرَ مِنَ الْمَالِ فِي الْيَسِيرِ مِنَ الْمُدَّةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْمَؤُونَةِ الْخَفِيفَةِ، وَالْخَلِيُّ مِنَ الْعِيَالِ الَّذِي يُغْنِيهِ الْيَسِيرُ مِنَ الْمَالِ، وَيُخْرِجُهُ الْقَلِيلُ مِنْهُ مِنَ الْفَاقَةِ وَالْفَقْرِ، إِلَى الْغِنَى وَحُسْنِ الْحَالِ. قَالُوا: فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ تَحْدِيدُ الْمِقْدَارِ الَّذِي يُخْرِجُ الْمَرْءَ مِنْ حَالِ الْفَاقَةِ وَالْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى وَالْيُسْرِ بِحَدٍّ مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، مَعَ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ فَيَكُونُ بِتَحْدِيدِهِ ذَلِكَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْفَقِيرِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ إِنْ كَانَ قَدْرُ الَّذِي حَدَّ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ فَقْرِهِ، وَأَجَازَ لِلْغَنِيِّ إِنْ كَانَ مَا دُونَ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنَ الْفَاقَةِ وَالْفَقْرِ وَهُوَ لِقَدْرِ ذَلِكَ مَالِكٌ أَخْذَ مَا قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَخْذَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، وأَبَاحَ لَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ مَا قَدْ حَظَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: وَلَا بَيَانَ فِي ذَلِكَ أَبْيَنُ مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ فِي تَنْزِيلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ. قَالُوا: فَالْمَسْأَلَةُ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ مَا دَامَ الْفَقِيرُ فَقِيرًا الْفَقْرَ الْمُتَعَارَفِ فِي النَّاسِ، وَالْمِسْكِينُ مِسْكِينًا الْمَسْكَنَةَ الْمَعْلُومَةَ فِيهِمْ. قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَحُدَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْغِنَى بِحَدٍّ فِي تَنْزِيلِهِ مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِعِلْمِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ أَحْوَالِ خَلْقِهِ فِي ذَلِكَ ⦗٥٤⦘. قَالُوا: وَتَرْكُ تَحْدِيدِهِ ذَلِكَ لِلَسَّبَبِ الَّذِي وَصَفْنَا نَظِيرُ تَرْكِهِ تَحْدِيدَ مُتْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ، إِذْ قَالَ: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٦] ، بِحَدٍّ لَا يَتَجَاوَزُهُ وَلَا يُقَصِّرُ عَنْهُ؛ لِعِلْمِهِ بِتَفَاوُتِ أَحْوَالِ خَلْقِهِ فِي ذَلِكَ، ونَظِيرُ تَرْكِهِ تَحْدِيدَ نَفَقَاتِ النِّسَاءِ بِحَدٍّ إِذْ قَالَ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، إِذْ كَانَ مَا يَكْفِيهِنَّ مِنْ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةً أُمُورُهُنَّ فِيهِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُمَلُّ إِحْصَاؤُهَا، وَيُتْعِبُ تَعْدَادُهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي صِفَةِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَظَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى عَنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ فِي تَحْدِيدِ قَدْرِ الْمَالِ الَّذِي إِذَا كَانَ عِنْدَ السَّائِلِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ. فَحَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا مِنَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَوْزَانُهَا سَبْعَةٌ، وَبِقَدْرِ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute