٩٨ - حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً عَنْ ظَهْرِ غِنًى اسْتَكْثَرَ بِهَا مِنْ رَضْفِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَمَا ظَهْرُ غِنًى؟ قَالَ: عَشَاءُ لَيْلَةٍ " ⦗٦١⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَكْرُوهَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ إِلَّا الْمُضْطَرَّ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ بِتَرْكِهَا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ حَدَّ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْجُوعِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَا يُقِيمُ بِهِ رَمَقَهُ، وَيَرُدُّ عَنْ نَفْسِهِ الضَّرُورَةَ الْحَالَّةَ بِهِ إِلَّا بِالْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ فَرْضًا وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إِتْلَافُ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَجِدُ السَّبِيلَ إِلَى إِحْيَائِهَا بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ بِهَا إِحْيَاءَهَا بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُبَاحَةٌ لِمَنْ كَانَ ذَا فَاقَةٍ وَفَقْرٍ، وَإِنْ كَرِهْنَاهَا لَهُ، وَقَدْ وَجَدَ عَنْهَا مَنْدُوحَةً بِمَا يُقِيمُ بِهِ رَمَقَهُ مِنْ عَيْشٍ وَإِنْ ضَاقَ، وَإِنَّمَا كَرِهْنَاهَا عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي وَصَفْنَا، لِمَنْ كَرِهْنَا لَهُ؛ لِتَتَابُعِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ: «يَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» ، وَقَوْلِهِ: «مَا فَتَحَ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ» ، وَقَوْلِهِ: «مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَكَفَّلُ لَهُ الْجَنَّةَ؟» ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ثَوْبَانُ: أَنَا , قَالَ: «لَا تَسْأَلْ أَحَدًا شَيْئًا» ، وَقَوْلِهِ: «مَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ» ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا الْوَارِدَةِ بِكَرَاهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ كَرَاهَةً عَامَّةً مِنْ غَيْرِ خُصُوصِ ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنْ دُونِ حَالٍ، وَقُلْنَا: هِيَ مَعَ ذَلِكَ مُبَاحَةٌ لِمَنْ كَانَ ذَا فَاقَةٍ وَفَقْرٍ؛ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْهُ بِالْوَعِيدِ عَلَيْهَا أَوْ بِتَحْرِيمِهَا مَوْصُولَةً بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ» ، وَقَوْلُهُ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» ⦗٦٢⦘ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَوْ بِتَحْرِيمِهِ غَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الشُّرُوطِ، لِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ، فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي لَا فَضْلَ فِيهَا لِتَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الشُّرُوطِ أَخْبَارٌ مُجْمَلَةٌ تُبَيِّنُ مَعَانِيَهَا الْأَخْبَارُ الْمُفسَّرَةُ الْمَوْصُولَةُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِنَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ مِنَ الْأَخْبَارِ غَيْرُ دَافِعٍ لِمُجْمَلٍ مِنْهَا، وَلَا الْمُجْمَلَ مِنْهَا دَافِعٌ حُكْمَ الْمُفَسَّرِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَسْأَلَةُ تُكْرَهُ جَمِيعُهَا لِمَنْ وَجَدَ عَنْهَا مَنْدُوحَةً، وَلَا نُحَرِّمُهَا فَنُلْزِمُ السَّائِلَ الْمَأْثَمَ بِهَا، إِلَّا سَائِلًا سَأَلَ عَنْ غِنًى مُكْثِرًا بِهَا مَالَهُ، فَأَمَّا فِي غُرْمٍ لَحِقَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِهِ، أَوْ فِي حَمَالَةٍ تَحَمَّلَهَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ لَهَا سَعَةٌ، أَوْ فِي فَاقَةٍ نَزَلَتْ بِهِ وَحَاجَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى سَدِّهَا إِلَّا بِالْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَهُ جَائِزَةٌ حَلَالٌ، وَإِنِ اخْتَرْنَا لَهُ الِاسْتِعْفَافَ وَالتَّجَمُّلَ وَالصَّبْرَ، وَالْفَزَعَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَشْفِ النَّازِلِ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَخَافُ بِسَعَةِ الْإِفْضَالِ الْفَقْرَ، وَلَا تُنْقِصُ خَزَائِنَهُ كَثْرَةُ الْبَذْلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَظَاهَرْتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَتْ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute