للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: عَصَى إِبْرَاهِيمُ، فَخَرَجَ غُرْمُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: " إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: قَدْ كَانَ لَكَ وَجْهٌ فِي النَّاسِ، أَفَلَا سَأَلْتَ فَأَدَّيْتَهَا؟ فَأَرْسَلَ إِلَى الْحَكَمِ وَنَاسٍ مَعَهُ، فَسَأَلُوهَا، فَأَدَّوْهَا «⦗٦٤⦘ وَأَمَّا صِفَةُ الْغِنَى الَّتِي تَحْرُمُ مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْغَنِيِّ، وَالْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّجُلُ اسْمَ» غَنِيٍّ «، فَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا» كِتَابُ الزَّكَاةِ «مِنْ» لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ " مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ - أَعْنِي خَبَرَ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا الدِّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ مِنَ الْأُمُورِ أُمُورًا لِلرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَذْلُ بَعْضِ مَالِهِ فِيمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ الْأَخْذُ، فَيَأْثَمُ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ، وَلَا يَحْرَجُ بِإِعْطَائِهِ ذَلِكَ الْمُعْطِي، وَذَلِكَ كَالرَّجُلِ يُصَانِعُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فِي حَالِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمِ ظَالِمٍ لَا يُطِيقُ دَفْعَهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا بِأَعْوَانٍ يُعِينُونَهُ عَلَيْهِ، فَيَبْذُلُ لَهُ بَعْضَ مَالِهِ لِيَكُفَّ عَادِيَةَ شَرِّهِ، وَكَالرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى بَعْضِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ كَالرَّجُلِ ذِي الضِّيَاعِ وَالْمَزَارِعِ، لَا يَجِدُ لِزَرْعِهِ وَغَرْسِهِ رِيًّا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا بِثَمَنٍ، فَيَبْذُلُ مِنْ مَالِهِ لِمَنْ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بَعْضَهُ؛ لِيُعْطِيَهُ مِنْ مَائِهِ مَا يَعِيشُ بِهِ زَرْعُهُ وَغَرْسُهُ، وَكَالرَّجُلِ ذِي الْمَاشِيَةِ بِحَيْثُ لَا مَاءَ لِرِيِّهَا إِلَّا مِنْ فَضْلِ بِئْرٍ احْتَفَرَهَا مُحْتَفِرٌ هُنَالِكَ، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَضْلِهَا إِلَّا بِثَمَنٍ، وكَالْمُحْتَجِرِ بُقْعَةً مِنْ بِقَاعِ الْأَسْوَاقِ مِنْ ذِي سُلْطَانٍ، أَوْ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، مِمَّا لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَنَافِعُ، وَقَدِ احْتَازَهَا لِنَفْسِهِ لِغَيْرِ نَفْعٍ لَهُمْ وَلَا نَظَرٍ، فَيَبْذُلُ لَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُصُولِهِ إِلَى حَاجَتِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ - وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُعْطَى أَخْذُهُ - فَحَلَالٌ لِلْمُعْطِي إِعْطَاؤُهُ إِيَّاهُ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ - لَمَّا قَالَ لَهُ: «إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَخْرُجُ بِمَسْأَلَتِهِ مُتَأَبِّطَهَا، وَمَا هِيَ إِلَّا نَارٌ» . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَلِمَ تُعْطِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهِيَ نَارٌ؟ -: «إِنَّهُمْ يَسْأَلُونِي يُرِيدُونَ بِي الْبُخْلَ، وَيَأْبَى اللَّهُ لِي إِلَّا السَّخَاءَ» ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِلَهُ مَا سَأَلَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامٌ؛ كَرَاهَةَ أَنْ ⦗٦٥⦘ يَتَخَلَّقَ بِغَيْرِ شِيمَتِهِ الَّتِي فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ سَجِيَّتِهِ مِنَ الْبُخْلِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمُهُ بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَعْطَاهُ فِي مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ، وَمَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَأْثَمِ فِي أَخْذِهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ مِنْ إِعْطَائِهِ إِيَّاهُ مَا سَأَلَ، فَكَذَلِكَ كُلُّ أَمَرٍ اضْطُرَّ إِلَيْهِ مُضْطَرٌّ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَذْلِ مَا عَلَى الْآخِذِ فِيهِ الْمَكْرُوهُ وَالْإِثْمُ، فَلَا حَرَجَ عَلَى الْبَاذِلِ وَالْمُعْطِي فِيمَا بَذَلَ فِي ذَلِكَ وَأَعْطَى، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ السَّبِيلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَذْلِ مَا بَذَلَ وَإِعْطَائِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>