الْبَابُ الْأَوَّلُ: تَارِيخُ خُرُوجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قُلْتُمْ: إِنَّ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ؟
٢١٧ - وَقَدْ حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: قَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ ⦗٢٣١⦘، وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ. فَلَمَّا اضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَرَى، رَجَعْنَا إِلَى مَنْ لَمْ تَضْطَرِبِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَوَجَدْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَ أَنَّ انْدِفَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ أَنْ بَاتَ بِهَا كَانَ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ، وَذَكَرَ عُمَرُ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ يَوْمُ جُمُعَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ فِي فَصْلٍ ذَكَرْنَا فِيهِ يَوْمَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَغْنَى عَنْ تِكْرَارِهَا. فَإِذَ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنَّ اسْتِهْلَالَ ذِي الْحِجَّةِ حِينَئِذٍ كَانَ لَيْلَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ لِسِتٍّ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ. وَيُزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا وَيَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَأَهَلَّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. فَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ لَكَانَ بِلَا شَكٍّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى أَرْبَعًا، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَسٌ أَنَّهُمْ صَلُّوا الظُّهْرَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَائْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ وَعَلِمْنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ إِنَّمَا عَنَتِ انْدِفَاعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ فَقَطْ، فَلَمْ تُعَدَّ هَذِهِ ⦗٢٣٢⦘ الْمَرْحَلَةُ الْقَرِيبَةُ لِقِلَّتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِهَذَا تَتَآلَفُ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ عَنْهَا، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute