حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُسِرُّ إِلَيْكَ كَثِيرًا فَمَا حَدَّثَتْكَ فِي الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ لَوْلَا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ - قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِكُفْرٍ - لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُونَ "، فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، سَأَلَ الْأَسْوَدَ قَالَ: وَكَانَ يَأْتِي عَائِشَةَ، وَإِنَّهَا كَانَتْ تُفْضِي إِلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ⦗٢٣٨⦘. فَكَيْفَ إِذَا اسْتَضَافَ إِلَيْهِ مَسْرُوقٌ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ الْكِبَارِ، وَمِمَّنْ أَفْتَى وَكِبَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَحْيَاءٌ، ثُمَّ وَافَقَهُ عُرْوَةُ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ، وَمِنْ أَفْطَنِ النَّاسِ بِهَا، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ أَخِيهَا وَرَبَا فِي حِجْرِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتِيمًا وَهِيَ مُتَوَلِّيَةٌ أَمْرَهُ، وَعَمْرَةُ وَكَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ وَمَعَهُمْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَعَلُّقِ الْمَالِكِيِّينَ بِرِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عِرَاقِيَّةٌ كُوفِيَّةٌ إِنَّمَا رَوَاهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ بْنِ الْأَجْدَعِ أَخِي مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، وَرَوَاهَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمِسْعَرٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَهَؤُلَاءِ عِرَاقِيُّونَ كُوفِيُّونَ وَوَاسِطِيٌّ وَبَصْرِيٌّ، وَأَضْرَبُوا عَنْ رِوَايَةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُمُ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعُرْوَةُ وَعَمْرَةُ، وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْهُمْ، وَيُعَظِّمُونَ رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَيْثُ أَحَبُّوا حَتَّى إِذَا لَمْ نُوَافِقْ تَقْلِيدَهُمْ تَعَلَّقُوا بِمَا أَمْكَنَهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ، وَضَرَبُوا بِهَا رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَتَرَكْنَا رِوَايَةَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُنَا، وَرِوَايَةُ كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقَةٌ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَسْنَا نَقُولُ هَذَا تَفْضِيلًا لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى رِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَمِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ لَكِنْ تَبْكِيتًا لَهُمْ عَلَى تَنَاقُضِهِمْ وَتَعَلُّلِهِمْ بِمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَرِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ سَوَاءٌ لَا فَضْلَ لِبَعْضٍ مِنْهَا عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْهَا ⦗٢٣٩⦘. وَمَنْ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ مِنْ بَقَاءِ وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ هُوَ أَنَّهُ بَقِيَ الْوَبِيصُ بَعْدَ الْغَسْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ لَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ غُسْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَوْفِهِ عَلَى نِسَائِهِ غَيْرَ مُسْتَوْفًى وَلَا مُحْكَمٍ، وَهَذَا لَغْوٌ مِنْ قَائِلِهِ وَلَا يَنْسُبُ هَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُشْرِكٌ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْكَمَ غُسْلَهُ كَمَا صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ دَلَكَ شُئُونَ رَأْسِهِ وَخَلَّلَهُ بِيَدَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى لِلطِّيبِ أَثَرٌ بَعْدَ هَذَا أَصْلًا، لَا وَبِيصٌ وَلَا غَيْرُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَبْقَى لِلطِّيبِ أَثَرٌ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ غُسْلٍ مُحْكَمٍ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ الطِّيبُ قَبْلَ ذَلِكَ الْغُسْلِ ثُمَّ لَمْ يَتَطَيَّبِ الْمُغْتَسِلُ بَعْدَ غُسْلِهِ هُوَ مَجْنُونٌ مُجَاهِرٌ بِالْمُحَالِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ قَوْلٍ يُنْسَبُ قَائِلُهُ: إِمَّا فِي حَالَةِ اللَّغْوِ، وَإِمَّا فِي حَالَةِ الْجُنُونِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ فَسَاقِطٌ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا عُمَيْرٍ لَا أَدْرِي مَا حَالُهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَعْنِي لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ، لَيْسَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهَا وَهُوَ ظَنٌّ - كَمَا تَرَى - وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَأَيْضًا فَحَدِيثُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتِ الطِّيبَ فِي مَفَارِقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَهُو مُحْرِمٌ يُبْطِلُ هَذَا الظَّنَّ الْفَاسِدَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute