للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٧٣ - إِلَّا مَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا الْبَاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْكَشْوَرِيِّ، عَنِ الْحُذَاقِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، إِنْ مَاتَ الْمُحْرِمُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَيُغَيَّبَ رَأْسُهُ. بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمِّرُوا ⦗٢٧٤⦘ وُجُوهَهُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ السُّنَّةُ فِي أَنْ لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَالسَّنَدُ لِمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْمُحْرِمِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ عَامٌّ، فَلَوْ صَحَّ لَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُحْرِمُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَكُونَ قَدِ اسْتَعْمِلْنَا كِلَا الْحَدِيثَيْنِ، إِذْ لَا يَحِلُّ غَيْرُ هَذَا فِي مَا صَحَّ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ مِنْهَا شَيْءٌ لِشَيْءٍ آخَرَ، فَكُلُّهَا فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ لَهَا سَوَاءٌ، وَلَكِنَّ الْعَجَبَ وَالشَّأْنَ فِي مَنْ تَرَكَ الصَّحِيحَ لِسَقِيمٍ لَا يُعَارِضُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى نَعْتَصِمُ، وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] ، وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» أَوْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَ: «صَدَقَةً جَارِيَةً، وَعِلْمًا، وَوَلَدًا صَالِحًا يَدْعُو لَهُ» ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنَّ فِي احْتِجَاجِ مَنِ احْتَجَّ بِهَذَا فِي رَدِّ سُنَّةِ تَلْقِينِ الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ وَغَيْرَهُ لِمَنِ اعْتَبَرَ ⦗٢٧٥⦘. فَيُقَالُ لَهُ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ،: إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ الْمَأْثُورَ فِي تَكْفِينِ الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ لَيْسَ عَمَلًا لِلْمُحْرِمِ فَيَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ لِلْمُحْرِمِ أُمِرَ بِهِ الْأَحْيَاءُ فِي الْمَوْتَى الْمُحْرِمِينَ مِمَّنْ يَعْصُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِذَا بَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ، وَهُوَ يَنْبَغِي لَنَا فِي مَنْ مَاتَ مِنْ مُحْرِمِينَا وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ، فَبَطَلَ التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَسْتَجِيزُهُ ذُو وَرَعٍ، وَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلُنَا وَسَعْيُنَا كَغُسْلِ جَمِيعِ الْمَوْتَى، حَاشَا الشُّهَدَاءَ، وَتَكْفِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُكَفَّنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا يُغْسَلُ عَنْهُمْ دِمَاؤُهُمْ، أَفَتَرَى ذَلِكَ عَمَلًا لِلشَّهِيدِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِهِ، وَأَنَّهُ سَعْيُ الْمَوْتَى؟ وَهَذَا مَا لَا يُخَالِفُنَا خُصُومُنَا فِيهِ، فَهَلَّا قَالُوا لِأَنْفُسِهِمْ: إِنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ أَمَرَنَا بِهَا فِي الْمُحْرِمِ كَمَا أَمَرَنَا بِأُخْرَى فِي الشَّهِيدِ، وَكِلَاهُمَا مُخَالَفَةٌ لِمَا أَمَرَنَا بِهِ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِ الشَّهِيدِ، وَلَا يَقْدَمُونَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْلِيدًا لِمَنْ يَأْمُرُهُمْ بِتَقْلِيدِهِ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَلَكِنْ لَا تَوْفِيقَ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى، فَإِيَّاهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بَلْ أَنْتُمْ تُبِيحُونَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ، وَإِنَّمَا تَمْنَعُونَهُ مِنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَقَطْ، ثُمَّ تَرَوْنَ فِي الْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ أَنْ لَا يُغَطَّى وَجْهُهُ وَلَا رَأْسُهُ، فَكَيْفَ هُنَا؟ قُلْنَا لَهُ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ،: نَحْنُ لَا نَسْتَعْمِلُ رَأْيًا مَعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَتَعَقَّبُ كَلَامَ رَبِّنَا تَعَالَى وَأَمْرَهُ، وَإِنَّمَا نَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِمَا أُمِرْنَا بِهِ، فَلَمَّا جَاءَ الْأَمْرُ بِأَنْ لَا يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الْعَمَائِمَ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ فِي رَأْسِهِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي نَهْيِهِ عَنْ تَغْطِيَتِهِ وَجْهَهُ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ، وَقَفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَاءَ ⦗٢٧٦⦘ النَّصُّ فِي أَنْ لَا يُغَطَّى الْمُحْرِمُ الْمَيِّتُ، وَجْهُهُ وَلَا رَأْسُهُ، وَقَفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ وَلَمْ نَتَلَقَّ أَوَامِرَ رَبِّنَا بِالرَّدِّ، كَمَا يَفْعَلُ خُصُومُنَا إِذْ يُحْدِثُونَ بِالرِّيحِ مِنَ الْأَسَافِلِ فَيَغْسِلُونَ الْوُجُوهَ، وَيَمْسَحُونَ الرُّءُوسَ، وَلَا يَمَسُّونَ الْأَسَافِلَ بِالْمَاءِ، وَلَا يَعْتَرِضُونَ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ هَا هُنَا لَوُفِّقُوا، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى

<<  <   >  >>