للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قِيلَ لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ:

٣٣٥ - قَدْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «نَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً فِي حَجَّتِهِ» فَلَا يَخْلُو حَدِيثُ ابْنِ بَكْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، أَوْ يَكُونَ حَدِيثًا آخَرَ، فَإِنْ كَانَ هُوَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فَأَحَدُهُمَا وَهْمٌ، وَلَا شَكَّ فِيهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَعَائِشَةُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهَا، وَهِيَ تَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ ⦗٣١٢⦘، فَصَحَّ حِينَئِذٍ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ بَكْرٍ هِيَ الْوَهْمُ، وَأَنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهَا الْمُوَافَقَةُ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي صَدَّرْنَا بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ، الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ بَكْرٍ حَدِيثًا آخَرَ غَيْرَ حَدِيثِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْهُنَّ بِالْبَقَرِ. وَبِهَذَا تَتَآلَفُ الْأَحَادِيثُ وَتَصِحُّ جَمِيعُهَا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ ذَكَرَتْ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْهُنَّ بِالْبَقَرِ وَأَنَّهَا أُتِيَتْ بِلَحْمِهَا، وَذَكَرَتْ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَمَلِهَا هَدْيٌ، فَتَآلَفَتِ الْأَحَادِيثُ، وَصَحَّتْ وَانْتَفَى التَّعَارُضُ عَنْهَا، وَصَحَّ أَنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ إِنَّمَا هِيَ الَّتِي ضَحَّى بِهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهَا، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَةَ كَانَتْ هَدْيًا عَنْ قِرَانِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَيَحْصُلَ فِي حَدِّ الْكَذِبِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا كُلَّهُ الَّذِي قُلْنَاهُ افْتِرَاضَهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جَمِيعِنَا الْعَدْلَ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَأَحَقُّنَا بِذَلِكَ أَوْلَانَا بِهِ لِكُلِّ فَضِيلَةٍ وَأَقْدَرُنَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُوَفَّقُ الْمُؤَيَّدُ الْمَعْصُومُ، بَلْ هُوَ الَّذِي نَقْطَعُ بِلَا شَكٍّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدْلٌ فِي نِسَائِهِ، وَفِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَلَمْ يَجُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، بَلْ نَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ. فَإِذْ قَدْ تَيَقَّنَّا هَذَا، فَمُحَالٌ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُهْدِي عَمَّنِ اعْتَمَرَ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَقَرَةً وَاحِدَةً، وَيُهْدِي عَنِ الْوَاجِبِ عَلَى عَائِشَةَ عِنْدَكُمْ بَقَرَةً وَاحِدَةً، يُفْرِدُهَا ⦗٣١٣⦘ بِهَا هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ. فَصَحَّ أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَةَ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْبَقَرِ الَّتِي ضَحَّى بِهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ نِسَائِهِ، وَسَاوَى بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنِ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَيَّنُونَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَأَنَّ سَائِرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَرَدْنَ الْعَدْلَ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يُهْدَى إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ دَارَ حَتَّى وَسَّطْنَ فِي ذَلِكَ فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ عَائِشَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْبِرِّ بِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّاسَ الْمُسَاوَاةُ فِي ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مِنَ النَّاسِ الْهَدِيَّةَ إِلَيْهِ عَلَى رُتْبَةٍ مَا، لَكِنْ يَقْبَلُ مَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ اسْتِشْرَافٌ، هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ فَالْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ بِفِعْلِهِ وَعَطَائِهِ وَقَسْمِهِ، وَمُبَاحٌ لِلنَّاسِ أَنْ يُفَضِّلُوا بِبِرِّهِمْ مَنْ شَاءُوا مِنْهُنَّ، وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَرْفُ قَلْبِهِ عَنِ الْمَحَبَّةِ وَالْخُصُوصِ بِهَا، وَالرِّضَا بِتَفْضِيلٍ سِوَاهُ إِذَا عَدَلَ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَسْمِهِ وَفِعْلِهِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

<<  <   >  >>